صفاء عبد
السلام فرحات[*]
"اختبار
سجن ستانفورد" هو تجربة فريدة من نوعها قام بها "فيليب زيمباردو"
عالم النفس الأمريكي على مجموعة من المتطوعين تم اختبارهم قبل إجراء تلك التجربة
للتحقق من سلامتهم النفسية، وبدأ زيمباردو في تنفيذ التجربة حيث اختار مكان ما في
جامعة ستانفورد وقام فيه بعمل محاكاة لبيئة السجون، وقام بتوزيع الأدوار بصورة
عشوائية على المتطوعين الذين تم تقسيمهم إلى مسجونين وسجانين في غيابٍ تام لوجود أي
قيود أو التزامات من السجانين عند التعامل مع مسجونيهم، حيث السلطة المطلقة التي
تتيح لهم فعل كل ما يشاءون. وعلى الرغم من أن المدة المقررة للتجربة هي أسبوعان،
إلا أن زيمباردو اضطر لإنهائها بعد ستة أيام فقط لِما وجد من وحشية وقمع وتعذيب من
الزملاء الذين قاموا بدور السجانين تجاه زملائهم الذين قاموا بدور المسجونين.
تجربة
كان زيمباردو في غنى عن القيام بها لو أنه تأمل تاريخ البشرية جيدًا، فكل ما يحدث
في الحروب من انتهاكات هو بفعل وجود السلطة المطلقة، وعلى سبيل المثال، لقد تسبب
هتلر وحده في قتل الملايين بطرق وحشية جدًا، وقد قامت الدول الاستعمارية بالنهب
والقتل والإعتقال والإغتصاب والتفنن في أنواع التعذيب تجاه الأفراد في الدول
المستعمَرة، وقد تصرف الأوربيون بكل وحشية تجاه السكان الأصليين في أمريكا من أجل
الاستيلاء على الأرض، وتكرر ذلك بعد مئات السنين أثناء احتلال أمريكا للعراق، ولعل
سجن أبو غريب، ومعتقل جوانتانامو خير شاهد على ذلك..
ولا
تقتصر هذه الوحشية على الدول وقادة العالم الكبار من الذين يمتلكون السلطة المطلقة،
إنما هي، وكما أثبتت تجربة ستانفورد كامنة لدى الأشخاص العاديين من العامة في
المجتمعات.. فنجد ما نجد من قصص قتل وتعذيب وتحرش وانتهاك للأعراض وغيرها، وقد انتبه
السلف لذلك فتعددت الأمثلة الشعبية التي تعبر عن ذلك، مثل: "من أمن العقوبة
أساء الأدب"، و "يا فرعون ما الذي فرعنك.." وغيرها
إن
وجود هذا المطلق وغياب الحدود أدى بالبشرية إلى إحداث الكوارث، بل والتلذذ في
إحداثها، لذلك يجب أن يلتزم الانسان بوجود حدود تحميه من التبعات الخطيرة
لاستخدامه للسلطة المطلقة، ولعل أهم تلك الحدود هو "الدين"، فقد جبل الإنسان
على اعتناق دين والبحث عن إله هو له عبد، فمجرد الإحساس بالعبودية يعد التزامًا
بتعاليم المعبود ووضع الحدود اللازمة للتعامل مع النفس ومع الآخر بسلام، والتدين
ووجود الوازع الديني يجعل من الضمير الإنساني كائنًا حيًا يراقب صاحبه أينما ذهب
ويحجم تصرفاته الوحشية حتى عندما يتاح له ذلك في أي وقت أو مكان، والدين لا يحمي
الأفراد فقط من خطر السلطة المطلقة بدنيًا، وإنما يضع المعايير والحدود للسلطة
الفكرية للعقل البشري فلا تصبح سلطة فكرية مطلقة متسلطة كمن يتجاوز الحدود في فكره
الفلسفي أوفكره العلمي أو غيرها من طرائق التفكير.
إلا
أن البعض لا يكترث لأمر الدين والتدين خاصة أن الأديان السماوية تحدثت عن الثواب
والعقاب والجنة والنار كأمور غيبية، أيضًا لأن البعض قد نشأ في عزلة عن الدين لا
يفقه فيه شيئًا كما هو الحال في الكثير من المجتمعات في وقتنا الحالي، ومن انساق
وراء المخربين ممن خططوا لهدم الدول والمجتمعات باسم الدين وادعوا أنهم مصلحون، بل
إن هناك من لا يعترف بوجود الإله على الإطلاق.. فسلطة الدين هنا تعتمد على الفرد
أولًا قبل المؤسسات المجتمعية، لذلك فقد اهتمت المؤسسات المجتمعية بسن القوانين
التي تحمي الأفراد والمجتمعات، ولعل الجزئية الأهم عند سن تلك القوانين هي تطبيقها
على من يخالفها، فسن القوانين بدون تطبيق ليس له أي دور في تهذيب المجتمعات، وأيضًا
تغليظ العقوبات على من يتهاون بفعل الجرائم المشينة حتى يستقيم المجتمع ويشعر الأفراد
بالأمان.
السلطة المطلقة ـ صفاء عبد السلام فرحات I مقالات I مدونة اتحاد الفلاسفة العرب
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
1:05 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: