اتحاد الفلاسفة العرب

مشروع حضاري فكري تنويري، يهدف إلى جمع فلاسفة ومتفلسفة العالم العربي من المحيط إلى الخليج؛ لأجل تحويل الخطاب الفلسفي إلى خطاب عقلنة مجتمعاتنا التي تأخرت قرونًا عن ركب الحضارة..

حوار فكري حول جائحة كورونا ـ د. علي المرهج ـ حاوره محمد عرفات حجازي I مدونة اتحاد الفلاسفة العرب


حوار حول جائحة كورونا

أجرى الحوار: محمد عرفات حجازي..
- بدايةً، نودّ الترحيب بكم أستاذنا الفاضل، ونُعرِّفكم إلى القارئ..
   أهلا وسهلا بكم...سعيد بالتحاور معكم وتحية لكم على جهودكم الطيبة هذه.
   أنا الأستاذ الدكتور علي عبد الهادي المرهج، أستاذ الفلسفة والفكر العربي المعاصر في قسم الفلسفة/ كلية الآداب/ الجامعة المستنصرية/ العراق.
- إلى أيّ مدى نجحت بلادكم في تنظيم مواردها بشكل مُفيد لمُكافحة الوباء وإدارة التداعيات المُتوقّعة وغير المُتوقّعة على أفضل وجه؟ وما هي أوجه القصور؟
   إذا كان النجاح يُقاس بحجم تفشي كورونا المُتوقع في بلدنا، فيعد ذلك نجاحًا، لأنّ رغم عدم الالتزام الشديد بإجراءات الوقاية المطلوبة واستمرارية وجد التجمعات البشرية، يُنذر بكارثة ربما.
   أما عن التداعيات الأخرى، فهي البطالة وازدياد معدلات الفقر بسبب تعطل العمل، فضلًا عن تداعياتها الكبيرة التي سبّبت الضرر في الدخل القومي العراقي، لأنّنا دولة ريعية تعتاش على مستخرجات النفط وبيعه، وبعد تردي أسعاره، أظنّ أنّ الحكومة لا تستطيع تأمين الرواتب للشهور القادمة، إلا إذا حدثت معجزةٌ ربما.
- هل عجّلت الجائحة بإنهاء دور رجال الدين وأصحاب القداسة والفنانين وغيرهم وأنهت مهامهم في حياة الناس وأغلقت باب رزقهم؟
   رجال الدين يبحثون دائمًا عن وجودٍ لهم، حتى في زمن الكوارث، ولا يتخلص منهم مجتمعنا؛ لأنّه مجتمعٌ يغلب عليه الإيمان بالقدرية، لذا يتمكن رجال الدين من الدخول لعقولهم من هذا الباب، فيُصوِّرون سبب تفشي كورونا مرتبط بتركنا لأمور ديننا، وهذا عقاب رباني لنا لكثرة ما نعيش من طمع ولهاث وراء الملذات المادية!!.
   أما الفنانين فلا أعرف قصدك؟، فما علاقتهم بالقداسة أو كورونا أو غيرها؟، فهم حالهم كحالنا يعانون من العزلة.
- كيف تقرأ نداء المؤذن: "صلوا في رحالكم.. صلوا في بيوتكم"؟
   أنا أقرأه أنه يلتزم بتوجيهات مرجعيته الدينية، وتوجيهات خلية الأزمة الحكومية عندنا، ولو كان الأمر بيده لدعا الناس للقدوم للجامع. أو أنّه لا يدعوهم لأنّه خائف على نفسه من المرض، وهذا من حقه.
- جسّد الأطباء حول العالم النموذج والمثال الإنساني، وذلك في مقابل تخبُّط الخطاب الإعلامي، كمثال؛ فما السبيل إلى أخلاق مهنية مُلزمة وصارمة؟
   يُقال رُبَّ ضارة نافعة، فرغم ما لحق بنا من ضرر بسبب أزمة كورونا، إلا أنّنا كنّا سابقًا نُعمِّم تصوُّرًا عن الأطباء بأنّهم جشعون ولا همّ لهم سوى جمع المال، ولكن اليوم ثبت لنا أنّهم رجال الأزمات ورجال التحديات الصعبة، وأنّ هذا التعميم غير جائز. وإن كان هناك مَن يستحقّ الشكر سيكون في المقدمة الكوادر الصحية، ورجال الأمن والشرطة.
- إلى أيّ مدى يمكن اعتبار "كورونا" ـ الوباء المُصنّع ضربة قاضية للعلم وتقنياته بعد أن كانت المعرفة وسيلة الإنسان للسيطرة على الطبيعة؟
   لا أعتقد أنّ كورونا ضربة للعلم، بل هي تعطي العلماء فرصة أخرى للتحدي وإثبات قدرة الإنسان على هزيمة باقي الكائنات الأخرى، وأن يُثبت أنّه الأصلح للبقاء بتعبير داروني.
   في سؤالك مُورابة تُضمر استخفافًا بكل المنجزات العلمية الهائلة التي حقّقها العلماء، فحتى لو فرضنا جدلًا أنّ هذا الوباء سيقضي على كل بني البشر، وننقرض كما انقرضت الديناصورات من قبل، وفرض المحال ليس بمحال، ولكن هذا لا يجعلنا نقلل من جهود كلّ علماء الأرض سواء فيما أنجزوه من تقنية ونظريات علمية، أو في مواجهة خطر كورونا.
- كيف ترى مستقبل العملية التعليمية والبحث العلمي؟
   على الرغم من نقدي للتعليم الالكتروني والندوات والورش الالكترونية، إلا أنّها الحلّ الأفضل في تحدي كورونا، بل ولها فائدة كبيرة في بلداننا العربية، فنحن من قبل كنا أقل معرفة بوسائل التواصل، ونعاني من ضعف بأهميتها ودورها في التعليم وغيره، فهي (كورونا) من جعلتنا نقترب أكثر من هذه العوالم الافتراضية لتكون هي البديل لعوالم التواصل المعرفي والإنساني على أرض الواقع، وهذه من تحديات العلم ومنجزاته التي لولاها لانقطعت أخبار بعضنا عن بعض، وتواصل بعضنا مع بعض، في التدريس والمعرفة والتثقيف وغيرها.
- ما الذي يمكن أن نخرج به من العزل الصحي: الخوف ومزيد من العزلة، أم تطوير العلاقات تجاه الإنسانية الحقيقية؟
   أعتقد أنّنا سنخرج من هذه الأزمة ونحن أكثر إقبالًا للحياة سواء في التفاعل مع بعضنا أو في العبرة من هذه العزلة الإجبارية، هذا إن كنّا نروم بناء حياة أفضل.
   وقد عرفنا أنّنا قبل كورونا كنّا نعيش في خير وفير لم نقدر أهميته وقيمته، وعلينا حينما نخرج منها سالمين أن نعيد للحياة وللعلاقات الإنسانية الطبيعية قيمتها.
- لقد أعادنا "كورونا" إلى قلق البدايات والنهايات، ودفعنا إلى البحث عن فلسفة اجتماعية جديدة، فكيف ترى العالم ما بعد "كورونا"؟ وبمعنى آخر: أي نوع من الحياة علينا أن نحياها؟ وما الذي ينبغي تدبيره لإحكام تقويم الحياة؟ وكيف يمكننا التعايش معًا؟
   من محاسن الصدف أنّني أُدرِّس مادة (فلسفة اجتماعية)، وهي فلسفةٌ إلى حدٍّ كبير يمكن تسميتها (فلسفة تطبيقية)؛ لأنّها لا تهيم في عوالم التجريد والتأمل البحت، بقدر ما يحاول فلاسفتها الإجابة عن سؤال النهايات، بعد أن اهتمّت الفلسفة التأملية بسؤال (البدايات)، ونحن اليوم (في زمن كورونا) ينبغي علينا أن نُعيد طرح سؤال (النهايات) لا وفق ما طرحه (هيجل) من قبل ولا (فوكوياما)، بل ولا كل الفلاسفة القائلين بالحتمية التاريخية، ومعهم أهل الفرق وعلم الكلام الذين يذهبون إلى أنّ النهايات يكتبها القدر فقط، وكل جماعة بما لديهم فرحون.
   أظنّ أنّ (كورونا) هزمت كبرياءنا وتباهينا بتفوقنا، وعلينا أن نُعيد حساباتنا بعد أن أثبت كائن صغير لا يُرى بالعين المجردة، ليس عاقلاً، أنّ بمقدوره أن يهزم العقل الإنساني بكلّ مُنجزاته العلمية والتاريخية، لذا أجد أنّ كلّ الندوات العلمية والمؤتمرات والتدريس الالكتروني والتجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنّما هي طرق يحاول فيها العقل الإنساني تخطِّي القبول بفكرة (النهايات) ليكتب لنفسه حياةً جديّةً في (ما بعد كورونا).
- في ظلّ اجتياح الوباء للعالم: هل سيُصلح نواحي الإنسانية ويُضعف الحيوانية ويكسر شره الهوى ويكفّ طغيان المال عن النفس، وبالجملة: هل سيعود البشر إلى إنسانيتهم أم ترانا في أرض النفاق؟
   لا أعتقد أنّ (وباء كورونا) سيدفع الناس للتراحم وتجاوز مقولة توماس هوبز (أنّ الإنسان ذئب لأخيه الإنسان)، والدليل على ذلك أنّنا نعيش في قمة التحدي وأوج انتشار الوباء، ولكنّنا على الرغم من ذلك لا زلنا نتصارع ثقافيًّا وسياسيًّا وعقائديًّا ودينيًّا، لأنّ هذه طبيعة في النفس البشرية التي رغم ميلها للتعاون، ولكنّها حينما تشتدّ التحديات لتصل لتهديد الذات، ستجد كل فرد ينشد الخلاص لنفسه، ولا يعنيه الآخر، ولا يكون هناك مكانٌ للتعاون إلا في حالة وجود اتساع أفق التوقع لإمكانية الخلاص.
- لقد أعاد "كورونا" اختبار كلّ شيء لدى الإنسان، فهل استرجعنا وعينا المفقود، ثمّ هل أعاد ثقتنا في الله؟
   العودة لله من عدمها هذا رهين ثقافة الشخص ووعيه وطبيعة نشأته الثقافية والأيديولوجية، بل وحتى العقائدية (المذهبية)، ولا أعتقد أنّ أمر البشر سيتغير تجاه العلاقة مع الله، فكلٌّ سيجد في تحديّات (كورونا) إجابةً لمبتغاه في رفض عقيدة وفق استقراء لحوادث لا أثر للدين فيها للخلاص من (كورونا)؛ لأنّ الخلاص مرتبطٌ بقدرة العقل على إنتاج مضاد حيوي أو لقاح يقينا شرّ هذا المرض أو الوباء، وفي الضفة الأخرى ستجد المؤمن بدين أو عقيدة يبحث في  النصوص المقدسة عمّا يُثبت عقيدته وفق قبول (قدري) لحصول هذه الجائحة التي من أسبابها (ضعف عقيدتنا)!، كما يظنّ العقائدي والمتدين.
- ما هو أصعب دروس "كورونا"؟
   أصعب دروس كورونا هي قبولك للعزلة واختيارك مرغمًا للوحدة، وهو درس فائدته كما أظنّ أكثر من ضرره؛ لأنّنا كنّا بحاجة للتأمل في ذواتنا، بل وبحاجة للعيش وسط أسرنا التي افتقدنا الحميمية فيها والتواصل بسبب انصهارنا في ماكنة البحث عن لقمة العيش، ولا أقول أنّ هذا الأمر قد تحقّق بالكامل، ولكن تحقق الجزء الأهمّ منه، فعلى الرغم من وجود وسائل التواصل الاجتماعي وسطوتها علينا، إلا أنّنا نجد مجالًا في 24 ساعة للقاء مع أبنائنا وأهلنا والتحاور حول مسائل الحياة وغيرها.
- أيّ نظام قيمي آخر بعد فشل النيو ليبرالية في تقديم حلول لمشكلات الإنسان والتحدّيات التي تواجهها البشرية؟
   هو ذا التحدِّي الكبير، فبعد نجاح الصين في الحدّ من انتشار (وباء كورونا)، تبيّن لبعض المفكرين والفلاسفة أن النظام الليبرالي و(النيو ليبرالي) غيرُ قادرٍ على مواجهة التحدّيات الطبيعية الكبرى مثل الأنظمة الشمولية ومثالها الأكبر (الصين)، لذلك سيُعيد الكثير من المفكرين حساباتهم في الدفاع عن الأنظمة الديموقراطية والليبرالية التي لم تستطع بكلّ ماكنتها التقنية والعلمية مواجهة (وباء كورونا) بذات القدر الذي واجهته (الصين) وبقدرة عالية من دون طلب مساعدة من الدول العظمى، بل هي من قدمت لهم يد العون.
- كلمة أخيرة..
   كلمة أخيرة أوجِّهها لأنظمتنا العربية، بكلّ محاسن القيادة فيها ومساوئ بعضها، أقول: إنّ توثيق الصِّلة وتمتين أواصر التعاون بين السلطة والمجتمع هي أقوى وسيلة يمكن أن تواجهوا بها كلّ التحدِّيات ومنها (كورونا)، فعليكم أن تُعيدوا للمواطن العربي حقوقه، وعليكم أن تثقوا بأنّكم به تكونوا قادة، وبغيره لا معنى لوجودكم.
حوار فكري حول جائحة كورونا ـ د. علي المرهج ـ حاوره محمد عرفات حجازي I مدونة اتحاد الفلاسفة العرب حوار فكري حول جائحة كورونا ـ د. علي المرهج ـ حاوره محمد عرفات حجازي I مدونة اتحاد الفلاسفة العرب Reviewed by Union of Arab Philosophers on 8:09 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

عن مؤسس المدونة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Translate

انضم إلي صفحتنا عبر الفيس بوك

https://www.facebook.com/%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-729058127473555/?modal=admin_todo_tour

اخر المواضيع

اعلان 728x90

يتم التشغيل بواسطة Blogger.