بقلم: رحاب حلمي[*]
الحديث
عن الثقة هو بمثابة الحديث عن ما هو مجهول؛ فهي قيمة يصعب التحقق منها إلا برؤية
نتائجها بالأفعال، فالثقة هي علاقة اعتماد بين اثنان يفترض فيها الشخص الواثق أن
يفي الثاني بوعده، ومن الممكن أن تقاس بالإحساس ولكن مع الحزر، فالثقة بر محله
القلب؛ لذا فهي ليست فرضًا إنما هي خيار أخلاقي، فمدى ثقتك بالآخر يرجع إلى إيمانك
و تصديقك لأمانة وصدق هذا الشخص.
وبنظرة أخرى لما طرحه أحد علماء الاجتماع (جيمس
كوليمان) عن الثقة بأن: الثقة تسمح لنا بالإفراط في العطاء حتى وإن لم يستند على أسباب
مؤكدة أو معلومات بدليل ملموس.
الثقة تعطى بإرادتنا، نعطيها لنجد مردودها من
الآخر وإلا ليبقى الاثنان فاقدين الثقة في بعضهما.
ومن
ثم نجد أن الثقة رديف لعدة معاني أخلاقية كالولاء والوفاء والحرص على عدم الخذلان،
فالثقة أيها السادة لاترتبط بالصواب والخطأ وإنما ترتبط كُليًا بعدم الشك بنوايا
الشخص المؤتمن، وبنظرة وملاحظة للعديد من العلاقات وجدت أن بناء الثقة أو انهيارها
يرجع إلى رغبة الفرد في تحقيق الإشباع
المادي أو المعنوي من تلك العلاقة؛ فهو لايثق في الآخر ليس لعيبٍ في الآخر؛ وإنما
نتيجة لخبرات قاسية سابقة أدت به إلى فقد شعور الأمان وأصبح الجميع موضع شك واتهام
وغير مؤهلين للثقة المطلقة وهذا ماخلف لديه مخاوف من البدايات والعلاقات الجديدة إلى أجل قد يطول، ومع
كل هذه المشاعر المتضاربة يلجأ الفرد إلى النظر للأمور المادية بالحياة ويبدأ بناء
علاقاته على مبدأ المنفعة؛ لذا لا بد لنا أن نقف على أسباب ذلك المرض الاجتماعي
الذي بدأ في التسرب بين ثنايا المجتمع والمعروف باسم (مفيش ثقة)، وحتى نكون منصفين
فهناك عدة عوامل أدت إلى زيادة تفشي هذا المرض منها: أغاني المهرجانات التي تحمل
معاني تردد دون وعي وتثبت تطبيع سيئ منها (مفيش صاحب بيتصاحب وغيرها ..),
ومن جهة أخرى، نجد انعدام الوازع الديني لدى البعض، والبعض الآخر الذي أشار
له الله في قوله تعالى: "يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم"()، والذي هو
بمثابة الدعامة الأساسية التي من خلالها ينمو الضمير مما أدى إلى خلل أخلاقي أبدل
الحب والإخلاص بالأنانية والغدر وحب الذات والشك المستمر في الآخرين؛ والذي أدى
إلى حرمان الفرد من صداقة الأخيار برغم براءتهم من شكوكه؛ ومن هنا، فلا بد من وقفة
مع الذات بعين المنطق: ما الأسباب التي أدت إلى تراجع الثقة للإعتبار منها في
العلاقات الجديدة؟! لنمتلك القوة لإشعار الآخر بالراحة والأمان والثقة بعيدًا عن
الشك والغدر مع افتراض حسن النية، ففي البدايات كلا الطرفين لايمتلك مفاتيح الآخر
كليًا ولكنهما لا بد أن يتفقا على بقاء العلاقة بالصبر دون التدقيق والتربص
للأخطاء لإثبات معتقد ترسخ من خبرات سيئة ماضية.
Lewis, M. A. (2008) the dynamic of
contractual and relational, Roehrich. J. K. Shang, J governance: Evidence from
long-term public-private procurement arrangements" journal of purchasing
and supply Management.
رحاب حلمي تكتب: أزمة ثقة
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
12:41 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: