رحاب حلمي تكتب: نشتري رجل

نشتري رجل

رحاب حلمي[*]

   تناقض آخر لمنظومة أفكارنا ونظرتنا للعلاقات نحدد من خلاله عزوف الشباب في المجتمع المصري عن الزواج في الآونة الأخيرة.

   فقد دفع الشباب بأن أسباب هذا العزوف المغالاة بالمهور ومتطلبات الزواج، وأشارت أصابع المجتمع بالاتهام لأهل الفتاة في قضية تفشي العنوسة؛ لذا أصبحت كل أسرة تقدم كل المتاح من تنازلات مادية بل وتستدين للأخرين من أجل تجهيز إبنتها؛ ومن ثم سادت عبارة (الكثير علينا والقليل عليك) موجهة من أهل الفتاة إلى الشاب الراغب في التقدم للزواج بعد أن كانت توجه بالعكس، وسادت عبارة (نحن نشتري رجل) التي ظلت عبر الأجيال السابقة رفعة لشأن الرجل و تقديرًا يشعره بمدى ترحيب تلك الأسرة به ـ إلا أن تناقض الأفكار عكس المعنى كليًا؛ فأصبح الشاب ينظر لها بمبدأ أنا لست سلعة، وغير قابل للشراء.. لقد أتيت بإرادتي.

   على الرغم من أن عملية الشراء هنا تمت بالدفع الغالي: فأغلى ما تملكه الأنثى هو مشاعرها، والأغلى أنها أتاحت له الفرصة بالدخول إلى بيت أهلها فهي عندما تطلب من الشاب أن يأتي لخطبتها ـ لم يقبع في خاطرها أن تورطه بزيجة وأعباء.

   ولنا في القول المأثور (البيوت لها حرمة) أسوة حسنة، فبسؤال أي شاب هل متاح لك استضافة غريب بمنزلك؟ الإجابة (البيوت لها حرمة).

   السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يغفل الشاب وأهله عن تقدير تلك الحرمة، وعن تقدير أهل الفتاة الذين استضافوه مع التمنيات بأن يشعر بالإنتماء والحب كفرد من أفراد الأسرة، ويلتفت فقط إلى أن تلك الزيجة ستعود عليه بأعباء مادية وحبس للحرية؟! وبسؤال بعض الشباب عن سبب التوتر الدائم أثناء فترة الخطوبة برغم تزليل أهل الفتاة لكل العقبات المادية، كانت الإجابة الصادمة: (البنات كثيرة بدون زواج). أما عن أهل الشاب: (تحمد ربنا أنها وجدت عريس).. ومن هنا تتضح إشكالية تأخر الزواج: ليست في الأعباء المادية، وإنما ترجع لعدم قدرة الشاب على تحمل المسؤولية كما كان في السابق، مع ثقافة بدأت تسود المجتمع المصري في الآونة الأخيرة بأي عائلة لها شاب بسن الزواج بأنه كالفاكهة نادرة الوجود والتي لا بد أن تقيم تقييم مرتفع، وبالتالي لا يعطى إلا لمن يرونها أحسنت تقيمه ووزنه بالذهب.

   لذا لا بد للمجتمع المصري أن ينتبه: فهؤلاء بناتنا وشبابنا بناة المستقبل ـ أي مستقبل سيبنى على شتات و صراعات وقلب لموازين الأمور!.

---

[*] باحثة من مصر، واستشاري علاقات أسرية وتعديل سلوك.