اتحاد الفلاسفة العرب

مشروع حضاري فكري تنويري، يهدف إلى جمع فلاسفة ومتفلسفة العالم العربي من المحيط إلى الخليج؛ لأجل تحويل الخطاب الفلسفي إلى خطاب عقلنة مجتمعاتنا التي تأخرت قرونًا عن ركب الحضارة..

الجنوسية.. تحولات المفهوم وسياقات المعنى ـ د.قاسم المحبشي I دراسات فلسفية I مدونة اتحاد الفلاسة العرب


الجنوسية .. تحولات المفهوم وسياقات المعنى
د. قاسم المحبشي

تمهيد:
   مضى زمن طويل منذ أن بدأت حياة الكائن الإنساني على كوكب الأرض، لم تكن فيه المرأة "حواء" شيئًا مذكورًا أو جدير بالاعتبار بذاته ولذاته ومن أجل ذاته، بل كان الرجل الذكر هو سيد الموقف، وصانع التاريخ وخليفة الله سبحانه وتعالى في الأرض، ومبدع الثقافة وباني الحضارة وحامل الأمانة المقدسة، وحافظ الأسرار والمعارف والعلوم والفنون ومروض الوحوش، وصاحب الحكمة والعقل والخلق والدين والملاحم والبطولات؛ إذ كانت كل الصفات الإيجابية التي تدل على الفعالية والقوة والنشاط والإنتاجية والإنجاز والانتصار والعنف والحرب تلصق بالرجل الذي ظل يتربع على مسرح التاريخ الإنساني حتى وقت قريب، وظل مفهوم الإنسان يطلق على الرجل فقط، وكانت كل الكائنات والأشياء والطيبات بما في ذلك الكائن الإنساني الآخر الشبيه به تمامًا - أي المرأة الأنثى - تدور حول فلكه الذكوري وتسخر لخدمته وتخضع لمشيئته البطريركية،(1) وعلى مدى ملايين من السنين من تجربة العلاقة الاجتماعية والممارسة التاريخية لحياة الرجل والمرأة ترسخت الهيمنة الذكورية والقيم البطريركية عند مختلف الشعوب والمجتمعات حتى اكتسبت صورة الضرورة الطبيعية البيولوجية والمسلمة البديهية التي لم تعد تثير الشك والتساؤل عن حقيقة مشروعيتها.
   رغم أننا نعلم أن قصة استبعاد المرأة وتهميشها وقمعها وإقصائها وتحقيرها وسحقها وقهرها وإخفائها من عالم الإنسان "الرجل" يعود إلى جملة من الأسباب والشروط التاريخية والاجتماعية في الأزمنة البدائية جدًا، إلا أن استمرار هذه الحالة المؤسفة حتى العصر الحديث يثير الحيرة والعجب. وهذا يعود في نظرنا إلى خطورة الاعتقادات والتصورات والآراء والأوهام والعادات التي تترسخ في حياة الناس ويتوارثوها جيل بعد جيل كأنماط ونماذج للسلوك، أو "الهابيتوسات"(2) حسب عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو. يقول عالم النفس التربوي الأمريكي " أرثر كوفر" في كتابه "خرافات في التربية": "يسلك الناس وفقًا لما يعتقدون. فإذا اعتقدت أن شخصًا أمين فسوف أثق به، وإذا اعتقدت أنه غير أمين فلن أثق به. إننا نسلك وفقًا لما نعتقد. وحينما تكون معتقداتنا صحيحة وصادقة، نستطيع أن نحدث قدرًا كبيرًا من التقدم. أما إذا كانت معتقداتنا خاطئة فإنها تعوق هذا التقدم وتحبط آمالنا، وتعرض الحياة الإنسانية ذاتها إلى الخطر"(3). ولقد ذهب كل جيل ضحية لمعتقداته ولخرافاته وأوهامه وأساطيره؛ فحينما اعتقد الصينيون أن الكون ينقسم إلى الين واليانج، أي الأنوثة والذكورة (الـ yang يرمز إلى مبدأ الذكورة والعنصر الإيجابي الفعال المنتج السماوي وعنصر الضوء والحرارة والحياة، والـ yin يرمز إلى الأنوثة العنصر السلبي المنفعل، الأرضي عنصر الظلمة والبرودة والموت). والحقائق كلها يمكن ردها إلى تعارض واتحاد العاملين الأساسيين في الكون، الذكورة الأنوثة أي اليانج والين(4). كان من شأن هذا الاعتقاد الأسطوري، أن يعمق الهوة بين الرجل والمرأة ويمنح الرجل الذكر مكانة أرفع من مكانة المرأة الأنثى. وحينما اعتقد أهل اليونان أن العقل يحكم الكون، وأن الرجل هو الكائن العاقل الوحيد، وأن المرأة كائن حسي غير عاقل، برروا النظرة الدونية للمرأة. وحينما اعتقد العرب قبل الإسلام بأن الأنثى كائن يجلب العار ويضعف الرجال، شرعوا عادة وأد البنات... وحينما يعتقد بأن جسد المرأة وصوتها ووجهها من العورات فلا بد أن تختفي عن الأنظار وتحتجب عن الغرباء من الرجال.
   هذا معناه أن سلوك الناس وتفاعلاتهم وعاداتهم وتفضيلاتهم وأفعالهم وردود أفعالهم ومؤسساتهم ونظمهم وتقاليدهم لا يمكن تفسيرها وفهمها من خلال تمظهراتها المباشرة، بل لا بد من الذهاب إلى ما ورائها، من المنطلقات والأسس العقيدية واللاهوتية أو الفلسفية، كما أن اعتقادات الناس في أي زمان ومكان ليس مجرد أفكار أو تصورات معنوية وكلمات ومفاهيم معرفية مجردة، بل هي نتاج قوى اجتماعية وسياسية وثقافية نشأة وترسخت عبر مسار طويل من الخبرات والتجارب والممارسات في أنماط سلوك وعادات وخبرات أو هابتوس ((Habitus)) عادة أو طبع أو نسق الاستعدادات والتصورات اللاشعورية.
   وفي سبيل التعرف وفهم الخطاب الجنوسي المعاصر والكشف عن دلالاته ومعانيه الظاهرة والمضمرة لا بد لنا من التوقف عند الأسس الفكرية للثقافة الحداثية التي تعد البيئة الحاضنة لبذار ونمو وازدهار الخطاب النسوي في السياق التاريخي الحديث والمعاصر.   
أهمية الدراسة:
   تأتي هذه المحاولة ضمن المحاولات القليلة في حقل الدراسات الجنوسية العربية التي لا زالت تتلمس خطاها في هذا الفرع الجديد من فروع المعرفة الاجتماعية والإنسانية المعاصرة، إذ كان لهذه الموجة العاصفة من الاهتمام العالمي بالمرأة، وجودها وحقوقها وهويتها وحريتها ومشكلاتها. منذ سبعينات القرن العشرين، وبفضل العولمة - أن وقعت علينا وقع الصدمة بما حملته من سيل منهمر من الدراسات والنظريات والآراء والمفاهيم والمصطلحات الجديدة التي لم نعهدها من قبل: الجندر، الجنوسة، الجنس الآخر، الجنسانية، الذكورة والأنوثة، الحركة السنوية وحرية المرأة، وحقوق المرأة والأدب النسوي ومشاركة المرأة، وتمكين المرأة والهوية الأنثوية، والقمع الذكوري، والمجتمع البطريركي، والنوع الاجتماعي... الخ. وقد أحدث هذا الخطاب النسوي في مجتمعاتنا العربية الإسلامية الأبوية التقليدية، ولا زال يحدث، حالة من الارتباك والقلق وسوء الفهم بل والتوتر والصراعات العنيفة كما حدث قبل سنوات في جامعة صنعاء بشأن مفهوم" الجندر" ومعناه.
   إذ نرى أن هناك مشكلة حقيقية في نمط تلقفنا لمفهوم الجنوسية وتحولاته وتعريفه وتأويله وسياقات دلالاته، وهذا ناجم عن اختلاف السياق الثقافي التاريخي لمجتمعنا عن سياق المجتمع الغربي الحديث الذي صاغ المفهوم وعرفه ونشره وتقبله وفهمه بعده مفهوم ينتمي إلى فضاء ابسمولوجي أو إلى باردايم محدد، أي نموذج تصوري وثقافي متكامل؛ إذ أنه يصعب التوافر على فهم عميق لمعنى مفهوم الجنوسة بمعزل عن السياقات التاريخية التي مهدت له وبررته وشرعنته.
   وهذا ما ألمح إليه المفكر العربي ناصيف نصار، بقوله: "يتزايد الاهتمام بقضية المرأة في المجتمعات العربية في الأوان الأخيرة من منطلق المفهوم الواسع لحقوق الإنسان الذي يتضمن المساواة بين الرجل والمرأة... إلا أن الاهتمام بالأسس التاريخية والثقافية التي لا بد منها لتسويغ المطالبة العملية بتحرر المرأة والاعتراف بكيانها الإنساني العام ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات الأساسية، مع احترام الاختلاف بينهما، لا يزال ضعيفًا"(5).
   ولم يكن الكتاب الوحيد الذي يوحي عنوانه بالاهتمام بهذا الموضوع "الأسس الفلسفية للفكر النسوي الغربي" لـ خديجة العزيزي عن دار ميسان - لبنان يونيو2005م، لم يكن هذا الكتاب للأسف الشديد كما زعم العنوان بحثًا في الأسس الفلسفية، بل رصدًا ووصفًا تبسيطيًا لتاريخ الحركة النسوية التحررية الغربية وتياراتها الفكرية والفلسفية.(6)
   وبسبب العولمة وسرعة انتشار الأفكار والآراء والنظريات وترجمتها وترديدها، أصبحنا نتلقف المفاهيم الآتية إلينا من الغرب ونستعملها بدون أن تكن لنا معها وقفه نقدية؛ إذ عادةً ما يشغلنا المعنى اللغوي للمفهوم وترجمته إلى لغتنا عن فهم السياق الثقافي التاريخي الذي نشأ فيه(7). وقد ارتبط خطاب المرأة كما هو خطاب الطفل بخطاب أوسع هو خطاب الإنسان الحديث وحقوقه، وهو خطاب تشكل في فضاء الحداثة الغربية. ومن الأخطاء الخطيرة أن نجد أن خطاب حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الشعوب، يقدم نفسه على أنه خطاب بريء ومحايد شامل وكلي وحقيقي وبديهي وطبيعي محاولًا الإيهام بأنه خطاب كل إنسان ذكر كان أم أنثى في كل مكان وزمان بغض النظر عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتاريخية والدينية لحياة الناس الواقعية ووضعياتهم المشخصة.
وتقوم فرضيتنا الأساسية في هذه الدراسة على الآتي:
1-         أن خطاب حقوق المرأة مثله مثل خطاب حقوق الإنسان وحقوق الطفل، هو خطاب مضلل ومخادع ومتلبس وغير محايد، بل محفوف بكثير من المزالق المنهجية والظلال الأيديولوجي، لا سيما في بيئة ثقافية ما قبل حداثية مثل مجتمعاتنا العربية الإسلامية التقليدية. إذ لم يظهر مفهوم "حق" أو "حرية" أو مفهوم " إنسان" أو مفهوم " جندر" هكذا فجأة في فلك الأفكار، وإنما جاءت استجابة طبيعية لمتغيرات اجتماعية سياسية اقتصادية وثقافية فلسفية في واقع الممارسة التاريخية المشخصة، وهذا معناه أن لكل مفهوم أرضيته الإبستمية حسب فوكو.
2-             إن الاحتفاء بخطاب المرأة وحقوقها، وما يتصل به من مصطلحات ومفاهيم ونظريات وآراء وأفكار في مجتمعنا الأبوي الذكوري التقليدي، يمنحنا الوهم بأننا نفكر ونتكلم مثل الآخرين ولا ينقصنا شيء عنهم. ويحجب عنا حقيقة وضعنا وطبيعة تلك الهوة الشاسعة بين المفاهيم النظرية التي نرددها مثل مفهوم الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وبين القوى والوقائع المادية المتخلفة التي نعيشها وتهيمن على حياتنا. ورغم أن اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والطفولة والمرأة تكتسب طابعًا عالميًا كليًا، إلا أننا لا نستطيع أن نتحدث عن مفهوم الإنسان، والحق، والمرأة والطفل، بنفس المعنى والدلالة ضمن هذه الثقافة أو تلك أو بين ابستميات وحقب تاريخية وحضارية مختلفة، وبالتالي لا بد أن نتساءل عن كيفية تنسيب هذه المسألة بما يسمح بتشكيل نسختنا أو قراءتنا العربية لهذا المبادئ الكلية، والبحث في الأسس الفلسفية لحقوق المرأة هو بحث في شروط إمكانها العميقة(8).  
تحديد المفاهيم وتعريفها:
مفهوم الأسس الفكرية:
-       الأسس الفكرية تعني تلك المعتقدات والأفكار والنظريات الكلية الميتافيزيقية التي يعتنقها الناس شعوريًا ولا شعوريًا عن أنفسهم وعن الكون والحياة والمجتمع. وهي منظورات كلية يسلم بها جماعة من الناس ويعدونها بديهيات ومرجعيات لا تقبل الجدل والتشكيك.
-       أو هي إذا استخدمنا تعبير فرنسوا ليوتار(9) حكايات كبرى ومرجعيات أيديولوجية للشعور والسلوك والعمل.
-       أو هي البرديمات(10) أو النماذج المحتذى بها للنظر والسلوك والعمل تشبه المعتقدات والقناعات الأيديولوجية.
مفهوم الجنوسية:(Gender):
   يعد من أبرز المفاهيم وأكثرها شيوعًا في الخطاب النسوي المعاصر، وهو مفهوم يكتنفه كثير من سوء الفهم والغموض واللبس، ولا يوجد اتفاق بين العلماء والدارسين بشأن تعريفه، ومنذ صياغته على يد عالم النفس الأمريكي روبرت ستولر في الثلث الأخير من القرن العشرين والجدل بشأنه لا يزال مستعرًا، والملاحظ كما يقول عالم الاجتماع المصري محمد الجوهري: "إن الجدل حوله عندما ثار لم يجر في هدوء وموضوعية ولكنه اشتعل اشتعالًا، وأقحمت عليه معتقدات وأيديولوجيات، وربما عواطف أيضًا"(11).
وقد تباينت تعريفات وتأويلات الدارسين للجنوسية ودلالاته المفهومية، وإذ استخدمه روبرت ستولر، لتمييز المعاني النفسية الاجتماعية للذكورة والأنوثة عن المعاني البيولوجية. يرى عالم الاجتماع الانجليزي انتوني غدنز، أنه من المهم التمييز بين الجنس والجنوسة، إذ يستخدم علم الاجتماع مصطلح الجنس للدلالة على الفروق التشريحية والفسيولوجية والاجتماعية والثقافية بين الذكور والإناث، أما الجنوسة فتعني الأفكار والتصورات الاجتماعية لمعنى الرجولة والأنوثة وهي بالتالي ليست نتاجًا مباشرًا بالضرورة للجنس البيولوجي لدى الإنسان. ومن هنا فإن الفرق بين الجنس والجنوسة عنصر جوهري في النشاط البشري لأن كثيرًا من الفروق بين الذكور والإناث ليست بيولوجية الأصل. ويعرف جدنز الجنوسية Gender بالقول "هي التوقعات الاجتماعية حول السلوك الذي يعتبر مناسبًا للأفراد من الجنسين، ولا تشير الجنوسية إلى الخصائص البدنية التي يختلف بها الرجال عن النساء، بل إلى السمات التي وضعها وأسبغها المجتمع على الرجولة والأنوثة"(12).
   وفي موسوعة علم الاجتماع "يشير الجنس Sex عند آن أوكلي - التي أدخلت المصطلح إلى علم الاجتماع إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع Gender إلى تقسيمات الموازنة غير المتكافئة اجتماعيًا إلى الذكورة والأنوثة"(13).
   لكن مصطلح النوع قد اتسع منذ ذلك الوقت ليشير ليس فقط إلى الهوية الفردية وإلى الشخصية، بل وإلى المستوى الرمزي، أيضًا إلى المثل والصور الثقافية للرجولة والأنوثة، ويشير على المستوى البنائي إلى تقسيم العمل على أساس النوع في المؤسسات و"التنظيمات".
   أما الأمريكية لوسين تامينيان فقد استخدمت تعبير الجنوسية وقصدت به "مجمل العلاقات ما بين الجنسين، هذه العلاقات التي تشكل بناءً ثقافيًا تاريخيًا يتباين من مجتمع إلى آخر"(14).
   وفي كتابها أنثوية العلم، ترى فيلسوف العلم الأمريكية ليندا جين شيفرد "أن كلمة Gender تعني النوع أو الجنوسة"، والجنوسة أفضل لأن النوع كلمة فضفاضة ولها مقابلات عدة، ويشير هذا المصطلح لا إلى الفروق البيولوجية (الجنس) فحسب، بل إلى مجمل وخلاصة الأوضاع والخبرات والأدوار المختلفة التي تترتب فقط على أن يكون الرجل رجلًا والمرأة امرأة(15).
   وقد وجهت كثير من الانتقادات لمفهوم الجنوسية، من هذه الانتقادات يمكن الإشارة إلى نقد الأمريكية ميليسا هاينز، في كتابها جنوسة الدماغ إذ قالت: "أن التمييز بين الفروق الجنوسية والجنسية مستحيل لأن هذا التمييز يفترض أولًا أننا نعرف أسباب الفروق السلوكية والسيكولوجية المختلفة بين الذكور والإناث، ثانيًا يشير إلى أن الأسباب أما أن تكون بيولوجية وإما اجتماعية ثقافية، في حين أنها في كثير من الحالات مزيج من الاثنين. ثالثًا أنه يفترض أن العمليات البيولوجية والاجتماعية والثقافية مستقلة بعضها عن البعض الأخر ويمكن فصلها بعضها عن بعض، لكن لكل سماتنا السيكولوجية والسلوكية أساس بيولوجي في دماغنا بغض النظر عما إذا كانت الهرمونات أو عوامل أخرى بما فيها تلك العوامل الاجتماعية هي التي تدفعنا إلى النمو بطريقة معينه... لذا فإن التمييز بين الأسباب البيولوجية والاجتماعية الثقافية هو تمييز زائف"(16). ويعكس عنوان كتابها "جنوسة الدماغ" هذا المنظور؛ إذ أن إضافة لفظة الجنوسة إلى الدماغ توضح أن لا اختلاف بين الفرق الجنسي والجنوسي، فضلًا عن أن كلمة الجنوسة هي ملائمة لوصف العمليات التي تتطور بها الفروق الجنسية في سلوك الإنسان ومعناها كفعل في اللغة الانجليزية أو طبقًا لتفسير قاموس ويبستر هو أن يولد، ينتج أن يسبب الكينونة أو التطور.
   وفي اللغة العربية تستخدم كلمة "جنس" لتعريف الهوية البيولوجية بين الذكور والإناث، ونستخدم كلمة جنسية لتحديد الهوية السياسية والاجتماعية للأفراد ذكورًا وإناثًا. جاء في لسان العرب لابن منظور "الجنس: الضرب من كل شيء... والجمع أجناس وجنوس... والجنس أعم من النوع، وفيه المجانسة والتجنيس ويقال هذا يجانس هذا أي يشاكله والحيوانات أجناس: فالناس جنس، والإبل جنس والبقر جنس"(17).
   وقد أثار التمييز بين مفهومي الجنس والجنوسة اعتراضات واسعة من قبل عدد من المفكرات الفيلسوفات أمثال الفيلسوفة الوجودية سيمون دي بوفوار في كتبها "الجنس الأخر" إذ اعتبرت أن المرأة ليست امرأة بالولادة ولكنها تصير امرأة"(18).
   واقترحت الفيلسوفة لوسه آريغاري مفهوم مورفولوجي "دراسة البنية أو علم الشكل" بدلًا من التمييز بين الجنس والجنوسة. ويقترح عبد الصمد الديالمي في كتابه (الجنسانية في المجتمع العربي) مفهوم الجنسانية كترجمة لكلمة sexuality وهو مفهوم ينطوي على خمس مستويات: المستوى السيكو ـ فيزيولوجي، والمستوى الرمزي ـ الثقافي، والمستوى النمطي، والمستوى المؤسساتي، والمستوى الأيديولوجي"(19).
ما الإنسان – ما المرأة:
   إن السؤال عن المرأة يعني فيما يعنيه التساؤل عن الإنسان، أي البحث في الانثربولوجيا الفلسفية، ما الإنسان؟ وكل حديث عن الحق وكل تشريع حقوقي إنما يقوم ويتأسس على نحو ظاهر أو خفي، على نظرة فلسفية في الإنسان ومعناه وفي الطبيعة البشرية الأنثوية والذكورية، فالانثربولوجي الفلسفي هو الذي يحدد الحقوقي والقانوني وليس العكس.
   ما العلاقة بين الإنسان والحق؟ هل الحقوق طبيعية وفطرية للإنسان بما هو كذلك ومن هويته الذاتية؟ أم هي مكتسبات ثقافية وتاريخية متقلبة وخاضعة لديناميات القوى الاجتماعية المتصارعة؟
   ما الإنسان أولًا، وهل يمكن الحديث عن طبيعة إنسانية ما هوية؟ ومن ثم ما المرأة بما هي إنسان؟ هل المرأة طبيعة أم تاريخ؟
   يقول ميشيل فوكو في كتاب الكلمات والأشياء "أن الإنسان اكتشاف حديث جدًا"، ومعنى ذلك أن الإنسان (الرجل ـ المرأة) كمفهوم فلسفي لم يظهر إلا في مرحلة متأخرة جدًا، من صيرورة التاريخ البشري بعد أن توافرت شروطه الابستيمية. من هنا تنبع المشكلة الابستمولوجية في تعاطينا مع المفاهيم الحديثة وترجمتها إلى لغتنا العربية واستخدامها في محادثاتنا وأبحاثنا، دون أن نكن على وعي عميق بدلالاتها الفكرية المفهومية والثقافية السياسية، وقد ألحت الدراسات اللسانية المعاصرة على الروابط القائمة بين اللغة والحياة وبين اللغة والفكر، ومن ثم متانة الصلة بين المفاهيم والمقولات والأطر التفكيرية، ومعنى ذلك أننا نفكر من خلال الكلمات والمفاهيم والصور، وكلما كانت كلماتنا واضحة دقيقة كلما كانت أفكارنا واضحة دقيقة. والفكرة بسبب طبيعتها العقلية، هي أكثر خضوعًا لتغيرات التكوين العقلي الذي يتأثر في الزمن والظروف بشدة فيأتي معبرًا عن روح لحظة ولادته"، فلا يكفي أن نقوم بترجمة المفاهيم الأجنبية إلى مقابلاتها القاموسية العربية، بل لا بد أن نعرف التجسدات الواقعية التي يعبر عنها هذا أو ذاك المفهوم في سياقه التاريخ المشخص؛ إذ أن كل مفهوم من المفاهيم: الإنسان، ومفهوم المرأة، ومفهوم الحرية، والحق حينما يتم النطق بها في سياقات اجتماعية مختلفة لا تعني الشيء نفسه هذا يعني أن مفهوم  أن الجنوسية ليس معطى بديهيًا، وإنما هو فكرة متعددة الأبعاد ومتداخلة المستويات، وهي حصيلة شبكة هائلة من العلاقات والتفاعلات والصراعات والممارسات، ونحتاج في مقاربته إلى تضافر عدد واسع من المداخل والنماذج والاختصاصات ـ التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والانثربولوجيا والقانون وعلم النفس والانثربولوجيا والسياسة وعلوم التربية ودراسات النوع.
الأسس الفكرية لمفهوم الجنوسية:
   من الممكن تتبع الجذور الأولى لنمو وازدهار الحركة الإنسانية وخطابها الحقوقي التحرري منذ أواخر العصور الوسطى في أوروبا، التي كانت بمثابة التمهيد الثقافي والتاريخي لبزوغ النهضة الأوروبية وانتصار الحداثة الغربية؛ إذ كشفت الدراسات الحديثة أن الأسس الاجتماعية والثقافية المؤسسية والفكرية والفلسفية لمشروع الحداثة الإنسانية قد "وجدت في جامعات القرنين الثاني عشر والثالث عشر المناخ الخصب لحرية الفكر والبحث وتحليق الخيال الحر ودفعت فكرة مفادها أن العالم الطبيعي عالم عقلاني منظم، وأن الإنسان مخلوق عاقل قادر على فهم هذا العالم ووصفة وصفًا دقيقًا، وأن البشر قادرين على تعميق الفهم البشري إلى حد بعيد باللجوء إلى العقل والوسائل العقلانية واستخدامها لتفسير وفهم هذا العالم الذي نسكنه"(20).
فكرة العقل والعقلانية:
   هكذا أخذت النظرة الفلسفية الكلية للعالم منذ ذلك الحين تميل إلى العقل والعقلانية وتفسح المجال لحرية البحث العلمي؛ إذ كان أوروبيو القرون الوسطى يؤمنون أشد الإيمان بالعقل، مما سمح بظهور عدد من الأشكال الجديدة من الخطاب العقلاني، القانوني والعلمي والمؤسسي، إذ سرعان ما تجسدت المفاهيم العقلانية في بنى مؤسسية ومنظومة ثقافية ومسلمات ميتافيزيقية، يقول توبي أ هف: "يجب علينا أن نقر بالتأثير المستقل الذي خلفته النظم الفكرية الفلسفية في تطور العلم الحديث بسبب التراث اليوناني في الغرب"(21). هكذا فتحت الفلسفة العقلانية الوسيطة آفاق واسعة للحرية حرية التفكير والعمل، حرية الرجال والنساء.
فكرة الحق والقانون:
   كان المناخ العقلاني الذي ساد أوروبا أواخر العصر الوسيط قد أفضى إلى تخصيب عدد واسع من الأفكار والمفاهيم التي رسخت اتجاهات جديدة في الفكر والسلوك والمؤسسات والقيم، منها فكرة القانون والحق والمؤسسة والحرية والضمير والشك والنقد والشخصية الاعتبارية، أي بكلمة فكرة الإنسان بما هو كيان جدير بالاحترام ويمتلك حقوقًا أساسية وشخصية اعتبارية تحرسها القوانين والتشريعات من الانتهاك.
   إذ لم تكن تلك الأفكار والمفاهيم مجرد كلمات ورموز، بل كانت تتوطد بالأفعال والمواقف والممارسة والاستعدادات الحية ومغازلة فكرة من الأفكار شيء، والزواج منها ووضعها في مكانها الدائم بين الأفكار التي يتقبلها الناس على أنها حكمة لا تقبل الجدل شيء آخر، وقيمة فكرة من الأفكار أو مفهوم من المفاهيم لا تكمن في ذاتها بل فيما تتجسد فيه من مؤسسات واستعدادات وعادات وتقاليد؛ إذ أن المؤسسات هي من وجهة النظر السوسيولوجية، أفكار تجسدت في نماذج مفضلة للقيم والسلوك والدوافع والأفعال.
   على هذا النحو يمكن التأكيد أن مفاهيم العقل والطبيعة والعقلانية والحق والقانون والمؤسسة والولاية القانونية والحرية الفكرية والشك المنظم، وغيرها، قد أرست الأسس الاجتماعية والفلسفية للإنسان الحديث ونهضته الحاسمة والشاملة.
   وخلاصة القول: أن الأوربيين القروسطيين وضعوا تصورًا للإنسان كان فيه من العقل والعقلانية والإنسانية ما جعل النظرات الفلسفية واللاهوتية مجالات مدهشة من مجالات البحث التي كانت نتائجها لا هي بالمتوقعة، ولا بالتقليدية، مما أثار جزع الجميع، وهذا هو ما حدث في عصر النهضة.
النهضة والنزعة الإنسانية:
   كانت التحولات الحضارية والمدنية والثقافية في المرحلة المبكرة من الحداثة الأوربية مرتبطة بالنهضة التي تمتد نحو ثلاثة قرون منذ القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر؛ إذ تميزت النهضة باضطراب شامل، وتداخل لأنماط متعددة من صور الحياة وقيمها وأنماط السلوك والمواقف والأفعال القديمة والجديدة، الشاذة والطبيعية. كان عصرًا يعج بالحركة الدائبة والتغيرات الكثيرة، ومعنى النهضة هو بعث وإحياء، وحرفيًا ميلاد جديد، أو تكرار الميلاد. ولقد أعادت النهضة بعث تراث الثقافة الكلاسيكية اليونانية والرومانية القديمة إلى الحد الذي أطلق على إيطاليا القرن الرابع عشر "هيلاس الجديدة". لكن النهضة لم تكن مجرد بعث التراث الكلاسيكي، بل توظيفه في سياقات جديدة(22).
   كانت ولادة شي ما لم يحدث أن تصوره أو صممه إنسان في الزمن الماضي، في كل مكان آخذت تشع نظرة جديدة للحياة والعالم والكون، تغيرت نظرة الإنسان إلى ذاته وإلى العالم وإلى الحياة وإلى الزمان، الفاعلية هي الشعار الجديد، الإنسان الجديد يعمل. وينافس ويتقدم ويغامر ويجازف ويخسر ويربح، ومع النهضة أخذت تتحسر "فلسفة البعث والنشور" التي كانت تصور الإنسان مكبل بالإثم والخطيئة المقدرة عليه منذ آدم ولا فكاك له منها، إلا بعون الله وإرادته(23).
   ويذهب ارنولد توينبي، إلى أنه "خلال المدة الممتدة نحو 1400ـ 1550م تبدلت الصورة العقلية لموطئ الإنسان على الأرض ومكانته في الكون، وذلك منذ اكتشاف الفلكي البولندي كوبرنيكس (1473ـ 1543م) أن الأرض تدور حول الشمس مرة في السنة، وأنها تدور حول نفسها مرة كل أربع وعشرين ساعة"(24).
   ثمّة جانبان لهما الأهمية القصوى في نهضة أوروبا هما حسب ـ برتراند رسل ـ تضاؤل سلطة الكنيسة، وتزايد سلطة العلم. ويتصل بهذين الجانبين جوانب مختلفة متفاوتة(25).
   لقد كان عصر النهضة في بدايته عصر نقد وتصميم وتشكيل، أكثر منه عصر بناء وتشييد وتعمير؛ ذلك لأن الكثير من ملامح العصر الوسيط ظلت قائمة متداخلة في نسيج المجتمع الناهض، فمن الناحية الواقعية لم تنته العصور الوسطى بقيمها وتقاليدها الثقافية الراسخة فجأة عند نقطة ما وظهر المجتمع الحديث إلى الحياة عند نقطة أخرى، بل احتاجت أوروبا نحو ثلاثمائة سنة للانتقال من الجو الذهني للعصور الوسطى إلى الجو الذهني للعالم الحديث، وربما كانت الميزة الأساس التي تمتاز بها النهضة في كونها أفلحت في زعزعة الأسس القديمة التي كانت تقوم عليها فكرة الإنسان والعالم والتاريخ في العصر الوسيط أكثر مما نجحت في تكوين تصور متكامل لما يجب أن يكون عليه الإنسان الحاضر والمستقبل.
   لقد قدمت النهضة "الثقافة" التي شكلت الأرض الخصبة لتحضير ولادة الفيلسوف والفيلسوفة والفنان والفنانة والعالم والعالمة والأديب والسياسي والمؤرخ والحكيم والفقيه... الخ، "لقد كان عصر النهضة يتطلب عمالقة فأنجبهم، عمالقة في قوة الفكر، والاندفاع والطبع"(26).
   أمثال: كوبرنيكوس1473 ـ 1543، وكلبر1571 ـ 1630، وجاليلو1564 ـ 1642، وجبلر1540 ـ 1603م في المغناطيس، وربرت بويل 1627 ـ 1691م في الكيمياء، وليفنهوك 2632 ـ 1723م مكتشف الحيوانات المنوية، وإسحاق نيوتن 1642ـ 1727م مكتشف قانون الجاذبية وقوانين الحركة الديناميكية.. لقد عززت الاكتشافات العلمية من ثقة الإنسان بقدراته يقول الشاعر: "لقد كانت الطبيعية وقوانينها محجوبة في الليل
                                                     فقال الله لنيوتن كن وتحول كل شيء إلى نور"(27).
   وشهد عصر النهضة أهم الاكتشافات الجغرافية للمناطق المجهولة، فقد ألقى الاسباني كولومبس مراسيه في العالم الجديد عام1492م، وألقى البرتغالي فاسكودي جاما مراسيه على ساحل الهند الغربي 1498م، واستطاع ماجلان في السفينة فيكتوريا أن يدور لأول مرة حول الأرض1519ـ 1522، وغير ذلك من الاكتشافات الجغرافية، على صعيد الفلسفة والأدب والتاريخ والسياسة، هناك كوكبة لامعة من الأسماء التي ازدهرت في عصر النهضة أمثال جوردانو برونو1548ـ 1600م، وبيك دولامير اندول 1494، وتوماس مور 1487ـ 1535م، ونقولاي ماكيافيلي1467ـ 1527م، وكامبلانيلا ومارسين فيسين1499م، كل هذا الزخف الثقافي العلمي الفني الأدبي، ترافق مع حركة الإصلاح الديني على يدي لوثر1483ـ 1546م، وكلفن 1506ـ 1564م، وزونغلي1484ـ 1531م، الذين نادوا بإصلاح الكنيسة وبالخلاص الفردي، ولم تكن هذه النهضة الثقافية الشاملة في حقيقة أمرها إلا حصيلة تفاعل جملة من العوامل والقوى الاجتماعية والاقتصادية والمدنية، تطور المدن وازدهار التجارة والصناعة ولدول والثورات الاجتماعية والعلوم والمناهج والحراك الاجتماعي النسوي(28).
   ويمكن إجماع الموقف كله بالقول: إنه عصر الاكتشافات الفلكية والاكتشافات الجغرافية والإصلاح البروتستاني وضروب الإبداعات الثقافية واختراع وانتشار الطباعة والسفينة البخارية والبارود، والبوصلة وبروز الأمم الدول، على أساس قومية وبدايات الاقتصاد الرأسمالي وظهور المدن وبداية التمايز الاجتماعي والصراع الطبقي وبدايات خروج المرأة من المجال الخاص إلى المجال العام وممارسة التعليم والتعلم والكفاح المتواصل من أجل تأكيد ذاتها الإنسانية.
   لقد أطلقت النهضة طاقات الإنسان (الرجل والمرأة)، وأفضى ذلك الاهتمام المتزايد بالحياة الإنسانية، وبالجسد الإنساني والطبيعة الحية، إلى رؤية جديدة لكل شيء، بدلًا عن المحنة حل الفرح، وباستعمال الإنسان للقوى التي وهبها إياه الله حلت الحرية في توجيه العقل بدلًا من الخضوع لإرادة الكنيسة، وأخذ البحث الفكري يحل مكان التبلد والعقم والكسل ـ وبكلمة تفجرت من ذات الإنسان طاقاته الإنسانية الكامنة المتعطشة للحرية والإبداع والتنافس والصراع والمغامرة والطموح والبطولة والشجاعة والإيمان بالحظ واقتصاب الفرص.
   لقد نظرت النهضة إلى الإنسان وقواه بعيون إنسانية؛ إذ جعلت "إنسانوية" النهضة من الإنسان غاية المعرفة وأداتها في آن واحد، يقول فيلسوف النهضة (بيك ميراندولا1463ـ 1494م) في رسالة "كرامة الإنسان" أيه آدام... العالم لم يخلق من أجل الإنسان، ولكنه مصنوع من لحمه ودمه، ذلك الكائن الذي وهبته الآلهة إرادة حرة والذي يحمل في ذاته بذور الحياة التي لا تحصى، إذا ما استعاد كرامته، لا يبقى ثمة ضياع، ولا يبقى ثمة قلق، الشياطين التي كان يخافها إنسان العصور الوسطى ألقت بنفسها في الجحيم ومعها الصليب الذي كان يبدو مكرسًا لحمايتها، العالم أضحى من جديد فرح الإنسان وحلمه وطموحه"(29).
   على هذا النحو أخذت تعود ثقة الإنسان بذاته وبعالمه، وأخذ الإنسان يثق بقدرته على التقدم والتطور، أي استعاد الإنسان ذاته وعظمته حسب ياكوب بوهم (1575ـ 1624م) "الإنسان ذلك الكائن العظيم الذي ترقد السماء والأرض وكل الكائنات والله نفسه في أعماقه"(30).
وبهذا المعنى يمكن أن نفهم تعريف (آلان تورين) للحداثة في كتابه (نقد الحداثة) بقوله: "أن فكرة الحداثة في شكلها الأعظم طموحًا كانت التأكيد على أن الإنسان هو ما يصنعه"(31).
   من النهضة انبثقت الحداثة، كما عرفها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيير (1864ـ 1920م) بقوله: "أن الحداثة تعني العقلنة، وبهذا المعنى تكون الحداثة مشروعًا إنسانيًا لبناء المجتمع في كل جوانبه على أسس عقلانية، مجتمع يعيش وينظم نفسه ويتصرف بعيدًا عن كل غائية غيبية وسحر أو وهم"(32).
النهضة والمرأة:
   فتحت النهضة آفاق واسعة بإزاء الإنسان عامة والمرأة تحديدًا، إذ لأول مرة يتم الاحتفاء بالفرح الإنسان والسعادة الحسية، تغيرت النظرة العامة للمرأة وأخذت المرأة تحظى باهتمام وحساسية جديدة وهناك عدة كتب خصصت للمرأة "كمعبد جنيد" ورحلة إلى يافوس و "مؤتمر سيتير" وهو عبارة عن قصة خيالية عن آلهة الحب، وهي تسرد صورة الانقلاب الوجودي الأخلاقي الذي جرى في حياة النساء والرجال في أوروبا الناهضة. يقول بول هازار في كتابه (الفكر الأوروبي): "إن تغيرًا قد حدث في حالة النساء فقد كانت النساء يشتركن في حركة العقول، بل كن أحيانًا يواجهنها، وقد احتللن موضع المساواة إلى جانب الكتاب والعلماء، وكن أقل حذلقة لأنهن كن بالطبع أكثر ذكاءً مرآة العصر، والقيمة التي منها ينحدر كل شيء، والصورة التي منها يتخذ كل شيء نموذجه هي المرأة"(33).
   ورغم أن النهضة الأوربية بدأت منذ القرن الرابع عشر الميلادي في إيطاليا، فقد كان من شأنها أن أفسحت هامشًا إنسانيًا في حياة وحقوق المرأة أفضى بعد قرنين من الزمن إلى نتائج حاسمة غيرت مسار التاريخ، ففي صبيحة يوم من أيام شهر يونيو عام 1678م اعتلت أول امرأة في التاريخ تحصل على درجة الدكتوراه المنصة بكاتدرائية بادوا لكي يتم امتحانها في التحليل المنطقي لأرسطو، كان اسمها الينا لوكريزيا كورونارو بسكوبيا وكان عمرها 32 عام وكانت غير متزوجة وابنة لواحدة من أكثر العائلات ثراءً في فينيسا.
   كانت "الينا" قد تقدمت في البداية بطلب لدراسة الدكتوراه في اللاهوت، لكن مدير الكلية اللاهوتية بالجامعة الكاردينال جريجوريو بارباريجو، أسقف بادوا رفض بشدة قائلًا: "لا يمكن لقد خلقت المرأة للأمومة وليس للتعلم"، كتب بعد ذلك عن الواقعة.. لقد تحدثت مع أحد الكرادلة الفرنسيين عن ذلك فانفجر ضاحكًا"، ولكنه بغير حماس وافق على السماح لها بأن يكون امتحانها للدكتوراه في الفلسفة"(34). في ذلك الوقت كن نساء أوروبا كافحن كفاحًا مستميتًا في سبيل إثبات جدارتهن الإنسانية وقدراتهن العقلية، وكان التعليم والمعرفة هو المجال العام الوحيد الذي من شأنه ذلك، إلا أن التعليم بالنسبة للمرأة كان بمثابة مغامرة خطرة ومكلفة إذ تحتاج المرأة التي يمكنها خوض هذه المغامرة إلى أربعة شروط:
1.     عمر طويل، إذ أن متوسط عمر المرأة كان في القرن السابع عشر لا يتجاوز 32 عام.
2.     حياة عزوبة، إذ يصعب التعلم والدراسة مع الزواج والحمل.
3.     أسرة غنية تمكنها من تعلم القراءة والكتابة ومحو الأمية، إذ انه قبل عام 1650م كان 10% فقط من نساء لندن بمقدورهن التوقيع بأسمائهن، وبحلول 1700م كان نصف نساء لندن يمكنهن كتابة أسمائهن.
4.     الجلد والصبر وشدة التحمل وقوة الشخصية، لأن المرأة المتعلمة كانت تعد ظاهرة شاذة في مجتمع كان يحتقر المرأة المتعلمة وينبذها ويحاربها(35).
   وحينما توفرت هذه الشروط أو بعضها لبعض نساء إيطاليا تألقت مجموعة من النساء المتعلمات خلال مرحلة النهضة، كما وجدت النساء الدارسات ترحيبًا أكثر عما كان في الدول الشمالية. ففي انجلترا كانت الكاتبة الموهوبة ليدي ماري وورفلي مونتا جو عام 1753م تكتب عن الخطط المقترحة لتعليم حفيدتها الصغيرة، معاتبة ابنتها بمرارة لكي تخفي ما تتعلمه الطفلة وبجزع يعادل إخفاءها لسوء الخلق أو الفعل المشين!؟
   في الواقع لم تكن الطريق للتعلم مفروشة بالورد أمام نساء أوروبا الناهضة بل واجهن جملة واسعة من المعوقات، إذ أن معظم الناس كانوا يؤيدون الحد من تعليم المرأة، فقد استبعدت الفتيات في مؤسسات التعليم العالي والجامعات ومن مدارس اللغات والمدارس الإعدادية. ورغم كل المعوقات تمكنت بعض النسوة اللامعات في ترك علامات كدارسات وكاتبات، وأخذ يتزايد شيئاً فشيئًا عدد النساء المتعلمات في مختلف أنحاء أوروبا، لا سيما لدى الأسر الغنية أو المتحررة، ويذكر في بريطانيا بنات السيد توماس مور، وبنات الايرل اورندل، وبنات السير أنتوني كوك من اللاتي تلقين تعليمًا ممتازًا، فهذه ليدي جوانا لوملي ابنة اورندل أنتجت أول ترجمة انجليزية للدراما الإغريقية.
   وقد لخصت أول امرأة انجليزية باشرت التفكير الفلسفي أواخر القرن الثامن عشر، هي الفيلسوفة ماري ولستوت كرافت عام 1792م المشهد النسوي بقولها: "إن معظم النسوة اللاتي سلكن مسلك المخلوقات الرشيدة أو أظهرن أي قوة فكرية كان قد سمح لهن بالصدفة بأن ينطلقن بلا قيود، والانطلاق بلا قيود في مكتبة الأسرة كان الطريق المعتاد للنسوة الطامحات فكريًا لتعليم أنفسهن"(36).
   أمثال الانجليزية إليزابيث تاتفيد، التي علمت نفسها الفرنسية والاسبانية والايطالية واللاتينية والعبرية وقد رفضت أمها أن تسمح لها بإيقاد بالشموع لتقرأ في الليل، ورغم ذلك كتبت العديد من الترجمات والشعر، وكانت كرستين دي بيران ابنة عالم النجوم والطبيب الإيطالي في بلاط تشارلز الخامس بفرنسا، الأولى في أوروبا التي أعالت نفسها وأطفالها الثلاثة بمهنتها الأدبية، وفي كتابها "مدينة السيدات" تخيلت قيام نسوة موهوبات ببناء مدينة لهن يمكنهن فيها العيش بسلام وبأسلوب خلاق، الوجود المستحيل كما رأته في فرنسا القرن الخامس عشر.
   وبالمثل فعلت الهولندية انافان شي رمان من اوتريخت كفتيات الطبقة الوسطى للقرن السابع عشر، حينما صممت في 21 من عمرها أن تعلم ذاتها تعليمًا فكريًا جادًا وأصبحت واحدة من أفضل نساء عصرها في اللغة اللاتينية، وقد ترجمة أعمالها إلى لغات كثيرة(37).
صورة المرأة في الفكر الحديث:
   وإذا ما حاولنا النظر إلى صورة المرأة عند الفلاسفة الحديثين فيمكننا إجمالها في الآتي:
   كانت فلسفة أرسطو الذكورية في المرأة وطبيعتها الأنثوية الانفعالية اللا عقلية تهيمن على الأفق الفكري الوسيط، ولم تكن ثورة الفلسفة الحديثة المنهجية غير إحلال كسمولوجيا ذكورية جديدة محل المركزية الذكورية التقليدية(38).
   ورغم ذلك، كان لآراء الفلاسفة الحداثيين أمثال ديكارت وهوبر ولوك وروسو أن أسسوا دعائم العقد الاجتماعي والمدني الحديث فيما يتصل بمكانة المرأة. لقد أسس ديكارت بالكوجيتو (أنا أفكر أنا موجود)، لحساسية جديدة تجاه الذاتية الفردية لم تكن ذاتية فلسفية فحسب بل ذاتية حقوقية وقانونية، إذ اعتبر الفرنسي رينيه ديكارت 1566ـ 1650م أن الإنسان سيد ومالك للطبيعة ومصدر ومقياس الحقيقة(39)، وكان الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز 1588ـ 1679م أول فيلسوف أكد "بأن الطبيعة الإنسانية وحدة وعامة لدى الرجال والنساء" وأقر حق الأم في السيادة على أطفالها والحقوق الطبيعية في الحالة الطبيعية هي حقوق الأم ولذلك أنكر بشدة اعتبار حقوق الرجل أصلا للحقوق السياسية(40).
   أما جون لوك 1632ـ 1704م فقد اقترب في آرائه المتعلقة بالنساء من المذهب النسوي كما تقول الباحثة ميلسيا بتلر(41). ويعد لوك أبو الليبرالية الحديثة ومؤسس نظرية الحكم المدني وكان لنظريته التي قال فيها "بأن الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء فتنقش عليها الخبرة رسومها"، كان لهذه النظرية أن أرست الأساس العميق لمبدأ الحرية الفردية لكل إنسان، ودحض جذري لفكرة الحتمية الجنوسية البيولوجية. إذ كان من أوائل من أدرك التعارض الكامن في الليبرالية الكلاسيكية التي تقوم على أساس إعطاء الحرية للجنس البشري كله، بينما هي لا تعطي المرأة حرية أكثر مما تناله في النظام البطريركي. أما جان جاك روسو 1712ـ 1778م فعلى الرغم مما انطوت عليه آراءه الفلسفة بشأن دونية المرأة إلا أن نقده للقيم البرجوازية والجشع والاستقلال ونظام التربية الكلاسيكي قد جعله يبدو في نظر الناقدة ليندا لانج نقطة مضيئة ومنورة بالنسبة لعصره وخطوة متقدمة بالقياس إلى العصور السابقة.
   وإذا ما حاولنا أن نجمل الأسس الفلسفية التي مهدت السبيل لنمو وازدهار الثورة الجنوسية، فبإمكاننا أن نوجزها في النقاط الآتية:
1-     الثورة المنهجية والنظرية التي أفضت إلى تغير الصورة التقليدية عن الكون العالم والذات الإنسانية بصورة عقلانية وإنسانية جديدة؛ إذ أصبحت النظرة إلى الإنسان المستقل بذاته ولذاته عن النظام الانطولوجي، وعن الكوسمولوجيا الأرسطية التي جعلت منه مجرد حلقة هامشية ضمن سلسلة لا متناهية من المراتب والغايات والدرجات، أصبحت هذه النظرة الجديدة فلسفة شاملة للإنسان الأوروبي الحديث.
2-     الفكرة الفلسفية التي رسخت بأن الإنسان مدني بالصناعة والاكتساب والتربية والثقافة والمعرفة والممارسة لا بالفطرة والطبع والغريزة والوراثة "يولد الإنسان وعقله صفحة بيضاء لكن الخبرة والتجربة تنقش فيه أثارها" ـ حسب جون لوك.
3-     الفكرة الفلسفية عن الإنسان والحق: الحق الطبيعي الذي هو جملة الحقوق التي يفترض أنها بالطبيعة للإنسان من حيث هو إنسان فرد ذكرًا كان أم أنثى، والتي يستطيع أن يدركها بالبداهة والفطرة في أعماق نفسه كمطلب أخلاقي أساسي، كالحق في الحياة والحرية والكرامة والسعادة، والحق الوضعي الذي هو جملة الحقوق المدنية التي تنص عليها القوانين المكتوبة والأعراف والعادات والتقاليد المتواضع عليها، التي منها حق العمل والتعليم والتفكير والمواطنة واتخاذ القرار وتقرير المصير والزواج والإنجاب.
4-     فكرة أن الإنسان هو مصدر المعرفة بقدراته العقلية والحسية، ومعيار الحقيقة ومصدر وغاية السلطة والتشريع وسيد الطبيعة وصانع التاريخ، وأن مصالحه وسعادته هي الهدف النهائي للتقدم التاريخي.
   إن هذه الصورة الجديدة التي تبلورت عن الكون والإنسان ومعناه وحقوقه وقدراته منذ عصر النهضة الأوربية كانت بمثابة الأسس الضرورية التي مهدت لتبلور ونمو خطاب الجنوسية المعاصرة.
تطور الحركة النسوية:
   بعد أربعة قرون من قيام النهضة الأوروبية تمخض المشروع الحداثي عن ميلاد المذهب النسوي، وهو مصطلح يشير إلى وجود جماعات متغايرة ومترابطة من النساء والرجال في مختلف الدول الأوروبية وأمريكا، ترفع صوتها دفاعًا عن المرأة وحقوقها، وقد تطورت هذه الحركة النسوية في عدد من المستويات، وفي ثلاث مراحل أساسية، أما بالنسبة للمستويات فهي حركات اجتماعية وسياسية واقتصادية وأخلاقية وحقوقية وحركات فكرية فلسفية ثقافية وعلمية وجنسانية.
1-    وتعود المرحلة الأولى لانطلاق الحركة النسوية إلى منتصف القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، على يد مفكرات وفلاسفة طالبوا بمنح النساء حق الاقتراع ومساواتهن مع الرجال قانونيًا وسياسيًا، وقد عرفت هذه المرحلة بالحركة النسوية الليبرالية، وتقوم على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة على يد مفكرات أمثال اولمب دي جوج من مفكرات الثورة الفرنسية ومعاصرتها البريطانية ماري ولستو نكرافت وهاريت تايلور.
2-    الموجة الثانية من الحركة النسوية ظهرت ما بين 1960م 1970م على يد مجموعة من المفكرات أمثال الوجودية سيمون دوبوفوار.
3-    المرحلة الثالثة لصعود الحركة النسوية فقد كانت منذ سبعينات القرن العشرين، وفي هذه المرحلة انطلقت الثورة الجنوسية بمعناها المعاصر، وهناك مرحلة ما بعد الحداثة، أما ما بعد النسوية منذ أواخر القرن الماضي تمثلت بظهور خطاب نسوي نقدي جديد.
   وقد تنوعت الحركة النسوية في اتجاهاتها الفكرية الليبرالية والماركسية والراديكالية والاشتراكية والوجودية وما بعد الحداثية، وقد تعزز نضال المرأة بصدور عدد واسع من التشريعات الدولية والمحلية بشأن حقوق الإنسان والمرأة والطفل، ابتداءً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، مرورًا باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في 18 ديسمبر1979م.
الخاتمة:
   حينما فكرت بالكتابة في موضوع الجنوسية لم أكن على دراية كافية بما أنا قادم عليه، ولكنني اكتشفت في أثناء الانهماك بالعمل أن الأمر أكبر وأعقد وأهم بكثير مما كنت أتصور؛ إذ وجدت العلاقة بين المرأة والفلسفة هي من بين أكثر الموضوعات مدعاة للدهشة والتأمل والاهتمام، إذ لم يشهد تاريخ الأفكار مثل لذلك النمط العلائقي المثير بما شهده من تحولات ومفارقات وتناقضات، على سبيل المثال لا الحصر:
1-    الفلسفة هي أكثر العلوم النظرية قربًا من المرأة من حيث ماهيتها الإنسانية وطبيعتها الأنثوية، محبة الحكمة، وربيبة الدهشة وأم العلوم وحاضنة ومولدة الأفكار والمفاهيم، ورغم ذلك أجبرت على أن تكون أبعد العلوم اغترابًا عن المرأة. وإذ ظلت الفلسفة التقليدية تستبعد المرأة من دائرة اهتمامها انطلاقًا من الثنائية الاعتباطية بين العقل والطبيعة، العقل الذي يمثل (الرجل) الذكر المتطابق مع مفهوم الإنسانية والطبيعة التي تمثل الأنثى الموضوع السلبي، تقول الفيلسوفة المعاصرة شيلارون "المرأة معروضة التراث الفلسفي التقليدي على أنها ليست كائنًا إنسانيًا بل هي مثل الأشياء الطبيعية لا تتطلع أن تكون ذاتًا تتسم بالأخلاقية".
2-    وبالمقابل ليس هناك علم من العلوم الإنسانية أشدها قربًا وحميمية بالمرأة من الفلسفة؛ إذ وجدت المرأة الحديثة في الفلسفة الملاذ الآمن والأفق الفكري والفضاء الابستمولوجي الخصيب الذي أشبعت فيه شغبها المعرفي وتعطشها الفكري وتنفست فيه الصعداء وصاغت فيه أسئلتها الميتافيزيقية، تقول الفيلسوفة ديريد جالوس: "الفلسفة هي النوع الأكثر عمقًا من التفكير الذي نحن مؤهلون له"(42).
   وحينما نوازن بين طرفي المفارقة، أعني قرب الفلسفة من المرأة واغترابها عنها، نلاحظ أن الفلسفة كانت بالنسبة للمرأة في مشروع نهضتها الحديثة والمعاصرة، هي بمثابة القوة الدافعة والسلاح الأمضى في معركتها التحررية؛ إذ لاحظنا كيف شكلت الفلسفة التمهيد الضروري، وكيف كانت الأسس الفلسفية الثقافية المتمثلة بجملة واسعة من الأفكار والمفاهيم: الحق، العقل، القانون، الحرية المؤسسة، الإنسان، الطبيعة الإنسانية، المجتمع المدني، التقدم، العلم، الطبيعة، المرأة، ولا أعتقد أنه يمكن فهم نهضة المرأة الحديثة بدون فهم الأسس الفلسفية؛ إذ كانت الفلسفة هي التي أيقظت المرأة من سباتها البطريركي، حينما بدأت المرأة تفكر فلسفيًا، وكان ذلك منذ عصر التنوير، بدأ التاريخ يبتسم للمرأة، وبدأت المرأة لأول مرة في التاريخ تعي ذاتها الإنسانية وتستعيد هويتها الذاتية الأنثوية، ومنذ الفيلسوفة الانجليزية ماري ولسو لكرافت عام 1768م حتى الفيلسوف الفرنسية أصبحت المرأة أخيرًا وجودًا لذاته ومن أجل ذاته، بعد أن كانت وجودًا في ذاته فقط.
                        *******************************************
المراجع والهوامش:
1-    في الكتاب المقدس تظهر النساء مخلوقات ذليلة ومهملة ومقموعة، وتعد كتابات بولس الرسول الأولى إلى تيمو تاوس "أنا لا أسمح لامرأة أن تعلم وأن تكون لها سلطة على الرجل، إن عليها أن تتحصن بالصمت لأن آدم خلق أولًا، ثم خلقت حواء، وآدم لم ينخدع ولكن حواء انخدعت وأصبحت متعدية... والرجل لم يخلق من المرأة ولكن المرأة خلقت من الرجل، كما أن الرجل لم يخلق للمرأة ولكن المرأة خلقت للرجل"، رسائل بولس الرسول. ينظر ماري دالي، أشكرك ربي.. لأنك لم تخلقني امرأة، ضمن كتاب النوع (الذكر والأنثى بين التميز والاختلاف) مقالات مختارة، ترجمة محمد قدري عمارة، المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة ـ ط1ـ 2005م، ص219.
2-    الهابتوس: Habitudnes مصطلح صاغه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، ويقصد به: بنية ثقافية اجتماعية تشكلت عبر الممارسة التاريخية لحياة جماعة بشرية، وهي خلاصة شبكة واسعة من الممارسة والاستعدادات والعادات والمعتقدات الشعورية واللاشعورية، اكتسبت عبر تمثيلها الطويل صفة العادة أو الطبيعة الثانية. ينظر بيار بورديو الهيمنة الذكورية، ترجمة سلمان قعفراني، مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت ـ ط2، 2009م.
3-     ارثر كومز، خرافات في التربية، ترجمة عبد المجيد شيحة عالم الكتب ـ القاهرة ـ ط1 1990م ص1.
4-    ول ديورانت قصة الحضارة: الشرق الأقصى، الصين ج4.م1 ص17.
5-    ينظر خديجة العزيزي، الأسس الفلسفية للفكر النسوي الغربي، تقديم ناصيف نصار، دار بيسان ـ بيروت ـ ط1 يونيو 2005م.
6-    ربما كان هذا الكتاب هو الوحيد في حقل الدراسات العربية الراهنة في هذا الموضوع ـ الأسس الفلسفية ـ إلا أن الباحثة لم تكلف ذاتها دراسة الأسس فاكتفت بعرض تصور تاريخي للفكر النسوي الغربي في عدد من الاتجاهات.
7-    ربما كان كتاب أحمد شجاع الدين وحمود العودي، النوع الاجتماعي في المجتمع العربي الإسلامي، جامعة صنعاء 2006م، مثال معبر عن سوء الفهم لمفهوم الجنوسية، الجندر، إذ جاء الكتاب بمثابة رد فعل متشنج وهيجان انفعالي متعصب ضد المفهوم وأهله، إذ اعتبرا أنه فرقعة سياسية وايديولوجيا غربية لا تلائم مجتمعاتنا.
8-    ينظر محسن التومي، تأملات في الأسس الفلسفية لاتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة نوفمبر1989م مجلة الطفولة العربية، الكويت العدد 15.
9-    الحكايات الكبرى مفهوم استخدمه الفيلسوف الفرنسي ما بعد الحداثي فرنسوا ليوتار في كتابه الوضع ما بعد الحداثة تقرير عن المعرفة، ويقصد به العقائد والأساطير والأيديولوجيات الجماعية التي تشكل الفضاء الفكري لعصر من العصور عند شعب أو مجموعة شعوب متجاورة مثل الإسلام، المسيحية، الاشتراكية، القومية، العقلانية.
10-           مفهوم البراديم، مفهوم صاغه فيلسوف العلم المعاصر توماس كون في كتابه بنية الثورات العلمية، ترجمة حيدر حاج إسماعيل، مركز دراسات الوحدة العربية ـ ط1 2009م. ويقصد به النموذج النظري والمنهجي الميتافيزيقي والعلمي المهيمن في حقبه من الحقب.
11-           جوردون مارشال، موسوعة علم الاجتماع، ثلاثة مجلدات، ترجمة محمد الجوهري وآخرون، المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة ـ ط1 2009م ج1 ص65.
12-           أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصباغ ـ بيروت ـ مركز دراسات الوحدة العربية للترجمة ـ بيروت ـ أكتوبر 2005م ط1 ص185.
13-           جوردون مارشال، موسوعة علم الاجتماع ج1 ص75.
14-           صورة المرأة اليمنية في الدراسات الغربية، المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية، مراجعة وتحرير لوسين تامينيان، ترجمة احمد جرادات صفا 1997 ص15.
15-           ليندا جين شيفرد، أنثوية العلم، ترجمة يمنى طريف الخولى ـ عالم المعرفة الكويتية عدد 306 أغسطس 2004م ص22.
16-           ميليسا هاينز، جنوسة الدماغ، ترجمة ليلى الموسوي مجلة عالم المعرفة الكويتية عدد353 يوليو 2008 ص255.
17-           ابن منظور لسان العرب، ج1 ص700.
18-           سيمون دي بوفوار، الجنس الآخر، نقله إلى العربية ـ لجنة من أساتذة الجامعة، المكتبة الأهلية، بيروت ط1 1964م.
19-           عبد الصمد الديالي، مجلة المستقبل العربي، بيروت ـ عدد 299 يناير 2004م، ص140.
20-           توبي أ.هف. فجر العلم الحديث، الإسلام ـ الصين الغرب، ترجمة محمد عصفور، مجلة عالم المعرفة الكويتية، أغسطس2000م، ص25.
21-           المرجع السابق ص35.
22-           ينظر قاسم عبد عوض المحبشي، فلسفة التاريخ في الفكر الغربي المعاصر ارنولد توينبي موضوعًا، الهيئة العامة للكتاب ـ صنعاء 2006م ص74. 
23-           نيقولا ميكيافلي، الأمير، تراث الفكر السياسي قبل الأمير وبعده، ترجمة فارق سعد، دار الآفاق الجديدة، بيروت ط7 1975م، ص190.
24-           ارنولد توينبي، تاريخ البشرية، ترجمة نقولا زيادة، الدار الأهلية ـ بيروت ط1 ج2 ص216.
25-           برتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية ج2 ترجمة زكي نجيب محمد ـ لجنة التأليف والترجمة ـ القاهرة ط1، 1968م ص25.
26-           ارنست بلوخ، فلسفة عصر النهضة، ترجمة إلياس مرقص دار الحقيقة ـ بيروت ط1 1980م ص40.
27-           رسل، تاريخ الفلسفة الغربية ج2 ص205.
28-           يرصد تشارلز تلي في كتابه الحركات الاجتماعية 1768- 2004م تاريخ الحركات الاجتماعية المنظمة في أوروبا وأمريكا ابتداءً من ستينات القرن الثامن عشر، لكنه أشار إلى أن الحركات الاجتماعية كانت قائمة قبل ذلك التاريخ بكثير، إذ أن الناس قد قاموا بالتحرك الجماعي ورفع مطالب عامة من نوع أواخر. فمثلًا في لندن قام الناس بالتجمع عند منزل أحد المسيئين للأخلاق كالرجل الذي يشرع في الزواج من فتاة صغيرة، وقاموا بعزف الموسيقى الصاخبة والطرق على الأوعية والأواني وإطلاق السباب مع أداء أغاني مسيئة ومهينة، ترجمة ربيع وهبة المجلس الأعلى للثقافة القاهرة ط1 2005م ص170.    
29-           ارنست بلوخ، المرجع السابق ص45.
30-           المرجع السابق ص50.
31-           الان تورين، نقد الحداثة، الحداثة المظفرة، ترجمة صباح الجهيم ـ دمشق وزارة الثقافة 1995م ص10.
32-           كاترين كوليوتيلين، ماكس فيبر والتاريخ، ترجمة جورج كتوره، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت ـ لبنان ط1 1994م ص65.
33-           بول هازار، الفكر الأوروبي 1-2 ترجمة محمد علاب ـ دار الحداثة ـ القاهرة ط2 1985م ص331.
34-           دوروتي ماك كيجان، أن تكوني امرأة، ضمن كتاب النوع (الذكر والأنثى بين التميز والاختلاف) مقالات مختارة، ترجمة محمد قدري عمارة، المجلس الأعلى للثقافة القاهرة ط1 2005م ص231.
35-           المرجع السابق ص236.
36-           ماري ولستونكرافت، دفاع عن حقوق المرأة، ضمن المرجع السابق ص245.
37-           لاوروتي ماك كيجان، المرجع السابق ص230.
38-           إمام عبد الفتاح إمام، أرسطو والمرأة، مكتبة مدبولي ـ القاهرة ط1 1996م.
39-           رينيه ديكارت قواعد في المنهج.
40-           ينظر خديجة العزيزي، المرجع السابق ص57.
41-           المرجع السابق.
42-           جان جاك روسو، أصل التفاوت بين الناس، ترجمة عادل زعيتر، اللجنة الدولية للترجمة ـ القاهرة ط1 1954 ص45.
الجنوسية.. تحولات المفهوم وسياقات المعنى ـ د.قاسم المحبشي I دراسات فلسفية I مدونة اتحاد الفلاسة العرب الجنوسية.. تحولات المفهوم وسياقات المعنى ـ د.قاسم المحبشي I دراسات فلسفية I مدونة اتحاد الفلاسة العرب Reviewed by Union of Arab Philosophers on 1:05 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

عن مؤسس المدونة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Translate

انضم إلي صفحتنا عبر الفيس بوك

https://www.facebook.com/%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-729058127473555/?modal=admin_todo_tour

اخر المواضيع

اعلان 728x90

يتم التشغيل بواسطة Blogger.