حوار فكري حول جائحة كورونا ـ د. رسول محمد رسول ـ حاوره محمد عرفات حجازي I مدونة اتحاد الفلاسفة العرب

حوار فكري حول جائحة كورونا

أجرى الحوار: محمد عرفات حجازي..
- بدايةً، نودّ الترحيب بكم أستاذنا الفاضل، ونُعرِّفكم إلى القارئ..

د. رسول محمد رسول، مفكر وروائي وناقد من العراق.

- إلى أيّ مدى نجحت بلادكم في تنظيم مواردها بشكل مُفيد لمُكافحة الوباء وإدارة التداعيات المُتوقّعة وغير المُتوقّعة على أفضل وجه؟ وما هي أوجه القصور؟

   النظام الحيّ في العراق متردي بسبب الحروب التي مرّ بها هذا البلد، وبسبب التنمية الفاشلة والعرجاء التي مُني بها، وبسبب الفساد المستشري بشكل كبير في بنية الدولة، لكن العراق يبدو أنّه نجح في تلافي أزمة كورونا بشكل نسبي مقارنةً بدولٍ أخرى عربية وإسلامية وغيرها، وما هو سيء هو "الحضر" الذي أصبح مضحكًا ويقف بالضدّ من إرادة العراقيين، ولكن المشكلة عالمية وليست عراقية فقط.

- هل عجّلت الجائحة بإنهاء دور رجال الدين وأصحاب القداسة والفنانين وغيرهم وأنهت مهامهم في حياة الناس وأغلقت باب رزقهم؟

   لم تنته أدوار هؤلاء حدّ النهاية، لكنّهم في هزيمة من أمرهم جرّاء هذا الفيروس، ولكن التجربة الشكلية التي لعبها رجال الدين بدس أنفهم لكي يكونوا شركاء في الخدمة والعلاج، ولك أن تنظر إلى خدماتهم عبر وسطاء مثل تجربة الحشد الشعبي العراقية بالمشاركة في فرق التعفير وتوزيع حصص من الطعام لكنّها ليست مُنظمّة وعامة إنّما اصطفائية وعشوائية لبعض الناس وليس كلهم.

- كيف تقرأ نداء المؤذن: "صلوا في رحالكم.. صلوا في بيوتكم"؟

   هذه بنية لوجستية يقدمها رجال الدين من باب النصح بالاعتماد على الموروث، ولا بأس.

- جسّد الأطباء حول العالم النموذج والمثال الإنساني، وذلك في مقابل تخبُّط الخطاب الإعلامي، كمثال؛ فما السبيل إلى أخلاق مهنية مُلزمة وصارمة؟

   ما فعله الأطباء كان دورًا مهنيًّا وإنسانيًّا وأصبح بعضهم ضحيةً لهذا الفيروس، لكنّهم مرتبكون في مساعهم هذا.

- إلى أيّ مدى يمكن اعتبار "كورونا" ـ الوباء المُصنّع - ضربة قاضية للعلم وتقنياته بعد أن كانت المعرفة وسيلة الإنسان للسيطرة على الطبيعة؟

   إنّه نتاج لتطوّرات العلم البيولوجية القذرة، الفيروس لم يكن صدفةً وهبتها الطبيعة للمعمورة الكونية، يأتي هذا الفيروس كنتاج للحرب البيولوجية، ولا أعتقد أنها أخلاقية أبدًا، العالم تورّط في علمه هذا الذي أصبح ضد الإنسان لا مناصرًا له.

- كيف ترى مستقبل العملية التعليمية والبحث العلمي؟

   أثبتت فشلها لكونها تعدّ آلية قديمة وبعض الدول اقترحت التعليم عن بُعد لكنها حتى الآن فشلت رغم الشعارات الجوفاء التي ترفعها، التعلم عن بُعد عاطل عن الفاعلية لا سيما في دول العالم الثالث ومنها دول العالم العربي.

- ما الذي يمكن أن نخرج به من العزل الصحي: الخوف ومزيد من العزلة، أم تطوير العلاقات تجاه الإنسانية الحقيقية؟

   انعدم التواصل بين الناس سوى داخل الأسرة الواحدة، وحتى الآن اعتبر البعض العزل الصحي كرنفالًا لكنّه زاد من وتيرة التفكير بالمصير لدى الفرد، وهذا لا شكّ فيه، وعلى هامشه تمَّ صعود للخوف والقلق فلم تعد الحياة مضمونة ولا الغد أو المستقبل، هناك من كتب وصيته لما بعد الموت، وهذه هزيمة وجودية.

- لقد أعادنا "كورونا" إلى قلق البدايات والنهايات، ودفعنا إلى البحث عن فلسفة اجتماعية جديدة، فكيف ترى العالم ما بعد "كورونا"؟ وبمعنى آخر: أي نوع من الحياة علينا أن نحياها؟ وما الذي ينبغي تدبيره لإحكام تقويم الحياة؟ وكيف يمكننا التعايش معًا؟

   أن تعيش يومك؛ بل تعيش ساعتك من دون أن تعرف ماذا سيجري بالغد سوى حيازتك ليقين الموت.

- في ظلّ اجتياح الوباء للعالم: هل سيصلح نواحي الإنسانية ويُضعف الحيوانية ويكسر شره الهوى ويكفّ طغيان المال عن النفس، وبالجملة: هل سيعود البشر إلى إنسانيتهم أم ترانا في أرض النفاق؟

   المسألة نسبية جدًا، لا خلاص للإنسان من الكوارث ومن الموت في أيّة لحظة، ربما هذا يُحي الإنسانية لدى الناس بعض الشيء ولا توجد وسائل إعلام تتابع مدارات هذا الاتجاه، فالإعلام سيء وما زال يتخبّط لكونه استعراضي بائس، لا سيّما العربي منه.

- لقد أعاد "كورونا" اختبار كلّ شيء، لدى الإنسان، فهل استرجعنا وعينا المفقود، ثمّ هل أعاد ثقتنا في الله؟

   نعم، أعاد بعض الناس ثقتهم بالله وبالدين مقابل الخرافة والأسطورة لدي بعض الأفراد.

- ما هو أصعب دروس "كورونا"؟

   الموت، ومن ثمَّ لا أحد يتوّرط بدفنك في قبر بالثرى لكون جثتك موبوءة.

- أيّ نظام قيمي آخر بعد فشل النيو ليبرالية في تقديم حلول لمشكلات الإنسان والتحدّيات التي تواجهها البشرية؟

أن يستعيد الإنسان قيمته بوصفه إنسانًا، وهذا ما لا تريده الكولونيالية والنيو ليبرالية، ولا الأنظمة العربية في العالم الثالث.