في مجتمعي فيلسوف
قدم
لنا المسرح المصري، في سبعينيات القرن الماضي، مسرحية "مدرسة المشاغبين"،
والتي تعرض ما وصل إليه حال الطلاب في المدارس من مستوى علمي وأخلاقي متدن، بطرقة
كوميدية ساخرة، لا نزال جميعًا نحفظ منها بعض المشاهد و"الإفيهات"،
ونكررها في أوقات المرح على سبيل إدخال البهجة والسرور على قلوبنا. إلا أن مؤلف
المسرحية عندما عرض لهذه المشكلة لم يفته أبدًا أن يقدم الحل، والذي تمثل في
"معلم الفلسفة"، فهو الوحيد الذي استطاع حل الأزمة والنهوض بالمستوى
العلمي والأخلاقي للطلاب، من خلال خطة اعتمد في وضعها على طريقة التفكير الفلسفي.
وبعد
مرور أكثر من أربعين عامًا على هذه المسرحية، تنوعت طرائق التفكير فيها عبر
المجتمع المصري، كانت اللفتة الرائعة من برنامج العاشرة مساءً، حينما قام بمناقشة قضية
الحرائق التى تشب في منازل بعض القرى، والتي يعتقد البعض بأن الجن هم من يقومون
بإحراقها. فقد قام البرنامج باستضافة أستاذ الفلسفة والمنطق بآداب عين شمس لمناقشة
هذا الموضوع. وللوهلة الأولى، ظننت أن الجميع سيتساءل: ما علاقة الفلسفة والمنطق
بتلك القضية؟، وماذا سيقول الضيف؟، وكيف سيتم حل هذه المشكلة عن طريق الفيلسوف
الذي يعيش في برجه العاجي معلنًا لنا من آن لآخر بعض الأفكار التي لا تمت للواقع
بصلة.. ولم لا يتساءل البعض بتلك الأسئلة؟ فتلك هي نظرة غالبية فئات المجتمع للفيلسوف..
ولكن، ما كان من هذا الفيلسوف إلا أنه استخدم تفكيره الفلسفي لحل القضية والقضاء
على أساطير التفكير الخرافي عند البعض.
من
خلال ما سبق، نجد أن للتفكير الفلسفي تأثيرًا وأهمية بالغة بالنسبة للمجتمع على مر
السنين. فلطالما عمل الفلاسفة جاهدين على إصلاح وتغيير المجتمع للأفضل، فى جميع
مناحي الحياة، على المستوى الفكري، والعلمي، والسياسي، والاجتماعي وغيرها.. من
خلال الدفاع عن القيم المجتمعية الأصيلة، وغرس قيم جديدة تتناسب وطبيعة كل مجتمع.
ولن يستطيع الفيلسوف فعل كل ذلك إلا بعد تشخيص العلة الموجودة بالواقع المجتمعي،
من خلال نظرة عميقة لواقع المجتمع، يتناول فيها الفيلسوف الأمور بالنقد والتحليل
والدقة والموضوعية للخروج برؤية تمكنه من تحديد المشكلات، وتفسير ما يجري من
أحداث. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال إلقاء الفيلسوف نظرة على الماضي تمكنه من فهم
جيد لواقع المجتمع.
وبالرغم
من كل هذا، فإن نظرة الفيلسوف ليست قاصرة على تغيير سلبيات الواقع فقط، إنما هناك
نظرة بعدية يتميز بها التفكير الفلسفي.. فالفيلسوف دائم النظر للمستقبل، ومدرك جيدًا
أن تغيير الحاضر للأفضل سيؤثر بدوره في مستقبل أفضل ينعم به المجتمع، وهذا هو
الشغل الشاغل للفيلسوف.. فمن خلال الماضى والحاضر يكمن المستقبل الأفضل.
إن
العلاقة بين الفيلسوف ومجتمعه علاقة وطيدة، يرتبط فيها الفيلسوف بمجتمعه، من خلال
النظرية والتطبيق اللذين لا ينفصلان حتمًا عن بعضهما في ظل هذه الطريقة من طرق
التفكير. فالتفكير الفلسفي ليس فقط تفكيرًا تأمليًا، وإنما يرتبط ارتباطًا وثيقًا
بالتجربة والعلم، فكيف لنا عمل التجربة وتطبيق النظريات بدون الرجوع للتفكير
الفلسفي في جميع مناحي الحياة!.
وهنا أتساءل: ماذا لو عاش كل منا
في مجتمعه فيلسوفًا؟.. هل فكرت يومًا أن تكون فيلسوفًا؟!..
صفاء عبد السلام فرحات: في مجتمعي فيلسوف
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
7:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: