اتحاد الفلاسفة العرب

مشروع حضاري فكري تنويري، يهدف إلى جمع فلاسفة ومتفلسفة العالم العربي من المحيط إلى الخليج؛ لأجل تحويل الخطاب الفلسفي إلى خطاب عقلنة مجتمعاتنا التي تأخرت قرونًا عن ركب الحضارة..

صفاء عبد السلام فرحات تكتب: دور الفلسفة في تفكيك الفكر المتطرف



                          صفاء عبد السلام فرحات[*]
   يعد الفكر المتطرف آفة تدمر مجتمعات وشعوب بأكملها؛ لما يخلفه من عقبات ليست معرفية وثقافية نظرية فقط؛ إنما يخلف أيضًا واقعًا اجتماعيًا مريرًا تستغرق المجتمعات عقودًا عدة حتى تتمكن من التخلص من تلك العقبات، وترسخ لفكر وسطي قائم على علم سليم ومعرفة صحيحة، تستطيع من خلالها مواجهة أي تطرف فكري جديد.
   والفكر المتطرف هو الفكر الذي يكون الأصل فيه أنه فكر عقلي سليم، ثم اتخذ منحى متطرفًا، فنقله من الاستقامة إلى الاعوجاج، ومن السلامة والاتزان إلى الانحراف والتطرف، ومن ثم انحراف عن قواعد العقل البديهية.[†]
   لذلك فإن الفكر المتطرف يبدأ بسيطًا من الفرد الواحد، حيث يتأثر الفرد بعوامل مختلفة تبدأ من التربية الأسرية، ثم يأتي دور المؤسسات التعليمية مرورًا بالبيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد لينتهي تأثيره مرتدًا إلى المجتمع كاملًا.
   إن للفلسفة دورًا هامًا في حل وتفكيك هذه القضية؛ حيث تقوم على احترام التعدد والتنوع، والمتتبع لمنهج التفكير الفلسفي يستطيع أن يصل للحل الأمثل، حيث يمر بمراحل من الشك حتى يصل إلى اليقين.. وليس معنى هذا الوصول للمسلم به أو المطلق، وهذا هو لب القضية؛ فأصحاب الفكر المتطرف دائمًا ما يؤمنون بالمسلمات والحقيقة المطلقة دون تفكير.
أسباب القضية:
   أولًا: أسباب داخلية: تكمن في سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية لبعض المواطنين، ونقص الخدمات الإنتاجية والخدمية، وانتشار البطالة، وارتفاع معدلات التضخم.
   ثانيا: أسباب خارجية: ولقضية الفكر المتطرف عدة أسباب تكمن بداية في أننا أصبحنا نعتمد اعتمادًا أساسيًا على استيراد كل شئ يتعلق بمظاهر الحداثة حتى الأفكار والمعرفة؛ فقد أصبحت أفكارنا لا ترتبط بالإطار الثقافي والفكري المجتمعي المحلي المرتبط بالحضارة العربية، وبنفس الوقت تنفصل انفصالًا تامًا عن المستوى الفكري العالمي.. وبذلك تحدث حالة من التشتت الفكري العام تؤثر في عملية التجديد الفكري للمجتمعات.
   ويعد فشل المجتمعات العربية في ممارسة النقد الذاتي العربي، وأيضًا فشلها في صياغة سياسات ثقافية تنويرية سببًا في شيوع الفكر المتطرف، وأيضًا انسداد الأفق الديمقراطي أمام أجيال من الشباب العرب المحبطين الذين يشعرون باليأس من تحسين الأحوال والقدرة على المشاركة في اتخاذ القرارات.[‡]
   إن إشكالية "الفكر المتطرف" إشكالية مركبة تتكون من عدة مشكلات، ولكي نستطيع حل هذه المشكلات يجب تفكيك هذه الإشكالية حتى نستطيع فهم هذه الإشكالية وحلها، ويشير "جمال ريان"[§] إلى أن المقصود بكلمة تفكيك هو تفتيت الإشكالية إلى مشكلات متعددة بحيث يتناولها المتخصصون كل حسب تخصصه مما يساعد على إيجاد حلول متكاملة للإشكالية في مجملها دون الوقوف على أجزاء منها ومعالجتها دون غيرها.. وينبغي أن تشمل هذه الدراسات:
1-التطرف الديني: الإشكاليات وآليات الحلول من منظور عصري.
2-التطرف السياسي: أسبابه وطرق علاجه.
3- التطرف الفكري: المشكلات والحلول رؤية نفسية.
4-التطرف الفكري: المشكلات والحلول رؤية تربوية ونفسية.
5-التطرف الفكري: المشكلات والحلول رؤية اقتصادية.
طرق العلاج:
   حيث أن إشكالية التطرف الفكري تم تفكيكها لأكثر من مشكلة؛ فبناءً على ذلك يكمن الحل في أكثر من سبيل كالآتي:
  -من أهم الطرق لحل تلك الإشكالية هي، أولًا: مواجهة الفكر بالفكر؛ فعن طريق الجهود الفكرية المنظمة تجري إزاحته خارج دائرة التأثير وإلجاؤه إلى أضيق السبل.. إن الواجب الشرعي والأمني يفرض علينا التنديد الصريح بهذا الفكر وشجبه واستنكار مواقفه، وعدم التحفظ في ذلك؛ إذ المواقف المتحفظة من هذا الفكر هي في الحقيقة تغذيه.[**]
-قيام وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمرئية بالترويج لثقافة السلام والعدالة والتنمية البشرية، والتسامح العرقي والوطني والديني، واحترام جميع الأديان أو القيم الدينية أو المعتقدات أو الثقافات من خلال إعلانات ولقاءات ومؤتمرات وندوات نوعية.
-تشجيع ثقافة الحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب والأديان والعقائد وإشراك منظمات المجتمع المدني في ذلك.
-تأسيس مراكز لبناء القدرات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وتوفير التدريب، وتبادل المعدات والخبرات والأساليب الكفيلة بالتعامل مع المنظمات الإرهابية الناشئة، بما في ذلك منع سوء استخدام شبكات النت (السيبر).
-قيام منظمات العالم الإسلامية، والأزهر الشريف بدورهما لتصحيح المفاهيم المغلوطة والمتطرفة عن الإسلام، ونشر ثقافة الإسلام الوسطي المعتدل.
-تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.
-تقديم أقصى درجات الاحترام والحساسية والمساعدة المادية لضحايا الإرهاب.
-تحقيق وتعزيز خطط التنمية، والاندماج الاجتماعي، والاهتمام بمشاكل الشباب كالبطالة، والتهميش، وما يستتبعه من شعور بالظلم، ويدفعهم للمشاركة في العمليات الإرهابية؛ بغية الانتقام من الحكومة الظالمة بنظرهم وغير المحققة للعدالة.[††]




[*] باحثة من مصر
[†] جميل أبو العباس زكريا ريان (2016) المتطرفون: نشأة التطرف الفكري وأسبابه وطرق علاجه. الطبعة الأولى. مصر. النخبة للطباعة والنشر. ص34
[‡]ضحى عبد الغفار المغازي (2018). دورة حياة مشروع الشرق الأوسط الكبير: تجربة انثروبولوجية إعلامية مصرية. الطبعة الأولى. مصر. أطلس للنشر والإنتاج الاعلامي. ص149
[§] جميل أبو العباس زكريا ريان. مرجع سابق، ص148
[**] أمنية سالم (2015). الدواعش في مصر. الطبعة الأولى. مصر. المكتب العربي للمعارف. ص212
[††] المرجع السابق. ص216, 218

صفاء عبد السلام فرحات تكتب: دور الفلسفة في تفكيك الفكر المتطرف صفاء عبد السلام فرحات تكتب: دور الفلسفة في تفكيك الفكر المتطرف Reviewed by Union of Arab Philosophers on 3:56 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

عن مؤسس المدونة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Translate

انضم إلي صفحتنا عبر الفيس بوك

https://www.facebook.com/%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-729058127473555/?modal=admin_todo_tour

اخر المواضيع

اعلان 728x90

يتم التشغيل بواسطة Blogger.