صبحي عبد العليم نايل[i]
من المسائل البديهية والخالية من الحاجة إلى
برهان في كل الثقافات والديانات قدرة الإله على كل شيء، وهذا كونه خالقًا للإنسان ـ
هذا الكائن المسيطر على الأرض وبقية الكائنات. والله خلق أدم كما شاء هو، فلم يشأ
عز وجل أن يكون، أدم مسلوب الإرادة كالملائكة – ولعل لهذا السبب أمر الملائكة
بالسجود له – ولكن مشيئته جاءت بأن جبله على الاختيار وحرية الرفض. لذا كانت إحدى
صفات الإله المغفرة، ولا تكن هناك مغفرة إلا وإن كان هناك خطأ، فعز وجل أعطى لآدم
حرية الخطأ لأنه أكثر علمًا بما خلق، وكفل لنفسه حق المغفرة. وجعل الله عز وجل
الجنة مسكن آدم وخلق الشجرة المحرمة، وأمره ألا يأكل منها، وأعطاه حرية أن يعصي الأمر
الإلهي، وأكل آدم منها عاصيا ربه، فعاقبه بنزوله إلى الأرض، ثم تاب عليه وغفر له –
هكذا وردت في الديانات الإبراهيمية التوراة والانجيل والقرآن - وهذا خير مثال لحرية
آدم ومغفرة الله.
وفي القرآن الكريم حديث من قبل الله إلى نبي مرسل، يقول عز وجل في سورة
القصص الآية (56): "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي
مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". وهنا يخبر الله عز وجل نبيه
أن لله وحده حق الهداية وينفيه عن النبي، كما أنه يؤكد على انفراده بعلم المهتدي
دون غيره. وعند أهل الحديث (المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد).
إذن فالله بمشيئته في خلقه وعلى لسان نبيه – كونه لا ينطق عن الهوى – كفل للإنسان
حق المعصية والخطأ، بل إنه عز وجل شاء أن يجبل آدم علي حق الإيمان به أو رفضه وإنكاره.
فبأي حق يمكن لإنسان أن ينصب نفسه حارسًا علي عقيدة آخر؟!. وفقًا للمشيئة الإلهية
التي تتجلى في خلقه لآدم (علي هذه الخلقة) لا يكون الاعتداء على الحرية تعديًا على
الإنسان بقدر ما هو تعدٍ علي الله عز وجل وعلى مشيئته، فهو وحده من أعطى لآدم
وبنيه الحرية وحق العصيان، ومن يسلب تلك الحرية يرى في نفسه القوة والمقدرة
والمعرفة التي تفوق فيهم على الإله، فيري في منظوره أكثر رجحانا من المشيئة
الإلهية، فيسلب من الإنسان حق الخطأ، طارحًا نفسه كحارس للعقيدة حاميًا للدين يحمل
بين يديه مفاتيح الجنة والنار عالما بكنه الرحمة الإلهية ومستحقيها! فيُدخِل من
شاء فيها ويخرج من لا يهواه منها، وينطلق حاكمًا على هذا وذاك بين كافر وضال وفاسق
وزنديق.. إلخ، مشيرًا إلى إتباع هذا ونافيًا لسماع ذاك، غافلًا الانفراد الإلهي بالهدى
ومعرفة المُهتدي، ونفيه عن النبي المُرسل. وتدور كل فرقة مستعرضة ومادحة طريقتها
في العبادة والتدين، مزدرية الأنواع الأخرى من العبادات دون الانتباه إلى أن
الموكل بقبول هذا النمط – دون غيره - من العبادة خالق كل هذه الفرق والعالم بها
وباختلافها.
وينجم عن وجود حراس للعقيدة عداء غير مبرر للمعرفة الواقعية (يتمخض عن وجود
أرض مقدسة لا تطأها أقدام البحث أو محاولات المعرفة لمصلحة السلطة السياسية والتي
تتبنى السلطة الدينية الدفاع عنها وصياغة مشروعيتها)، ونفاقًا اجتماعيًا ودينيًا
للفئة المسيطرة، وما يؤدي إليه بطبيعة الحال من عدم قبول الباحث عن الحقيقة بوصفه
مؤمنًا بالدين، بل يتم العمل على إقصائه. فعادة ما يوصم بالمروق والكفر. رغم أن الكتب
السماوية – الممثلة للأديان - لا سيما القرآن في مواطن عديدة لا يسع الأمر لذكرها
نجدهم مادحين البحث عن الحقيقة نافين – بازدرائهم - التقليد واتباع القدماء. فلم
يكن النبي إبراهيم والذي حباه الله واتخذه نبيًا سوي باحثًا عن الحقيقة، وموسي (عليه
السلام) هداه الله لسعيه نحو الحقيقة، ومحمد (صلعم) خاتم الأنبياء لم يقبل بعبادة
الأصنام في قومه. فلم يُخرِج الله عز وجل باحثًا عن الحقيقة من رحمته ولكن أخرَجَهُ
من سجنوا الإله داخل قضبانهم، فضلًا عن اذراءهم للشك وهو هبة إلهية للإنسان.. ونجد
النبي إبراهيم وهو من تحدث إلى الله يطلب من ربه أن يريه كيف يحي الموتى ولم يكن
السبب عدم الايمان بل الاطمئنان، وأراه الله كيف يحي الموتى ليطمئن قلب أبا الانبياء .
وقبِل
الله عز وجل الشك من إبراهيم (عليه السلام) كونه خالقه وأكثر معرفة بما خلق. لذا
تكون محاولات رفض الشك والبحث عن الحقيقة وسلب حق الخطاء ما هي إلا "تألها
علي الله عز وجل"، وهذا انطلاقًا من مشيئته التي تتجلى في الكون وسيرانه،
والكتب السماوية التي تتحدث عن الله وجاءت بها الأديان. ولا يفهم من هذا أننا
ندافع عن الكفر ونقننه بقدر ما نعطي لكلٍ مساحته حفاظًا على عقائدنا وخروجًا من
وضع النفاق المتفشي داخل المجتمعات العربية، والتدين الشكلي الذي لا يحمل إلا
النذر اليسير من الوجود الفعلي - وهذا ما يقره الواقع من انتشار الفساد والجوع على
نطاق شبه تام - والسعي نحو المعرفة والبحث. فأنا لا أدافع عن الكفر بقدر ما أدافع
عن حقي في البحث والاجتهاد والإصابة أو الخطأ الذي منحني إياه الله، فعز وجل لا
يمكن أن يسجن في أقفاص رجال الدين.
صبحي عبد العليم نايل يكتب: التأله على الله
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
3:04 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: