صفاء عبد
السلام فرحات[*]
قبة
مكسوة بوشاح أخضر ومحاطة بسور من المعدن المزخرف هي كل ما يعلمه الناس من أثر صاحب
الخطوة الذي كان يمتلك من الكرامات والمعجزات ما ليس لأحد من العالمين، كما أنه
يعد ولي من أولياء الله الصالحين، فهو إما سليل عائلة متدينة، أو كان هو نفسه رجل متدين،
أو أنه لا هذا ولا ذاك، إنما هو شخص لا يعلم الناس عنه شيئًا ولكنهم توارثوا القبة
والوشاح عن أجدادهم.. وهنا تبدأ المهزلة، فقد قرر محبي صاحب الخطوة عمل
"مولد" في موعد محدد من كل عام؛ احتفالا به.. وفي البداية يستعد هؤلاء
للمولد بجمع أغراضهم والإقامة في المسجد المزعم أن صاحب الخطوة مدفون به، أو
الإقامة حول المسجد في حال الزحام الشديد بالداخل.
وتبدأ
مراسم الاحتفال بالمولد بارتداء زي ذي طابع مختلف يغلب عليه اللونين الأبيض
والأخضر، ومن ثم القيام بعمل حلقات ذكر من نوع خاص ابتدعها محبي صاحب الخطوة؛ فهم
يقومون بالذكر والتسبيح وهم في حالة من التمايل إلى اليمين تارة وإلى اليسار تارة
أخرى بدعوى أن ذلك الذي يفعلون من سمات الزهاد، كما ينتمي بعضهم لطرق صوفية ليس
لها أصل في الدين، والعجيب أن بعضًا منهم ممن يطلق عليهم مثقفون وأصحاب علم ومنصب.
ثم
يتجمع محبي صاحب الخطوة في مشهد مهيب ويقومون بالتجول في الطرقات المحيطة بالمكان
في نفس زي الذكر مع ارتداء بعضهم لمجموعة من السبح التي تقاس بالمتر وذات عدد
الحبات الذي يتجاوز الألف، وفي وجود شخص ما اسميته "بطل الجولة" ذلك
الشخص الذي يسير وسط الحشد في حالة من الهيام الشديد يحيطه المتجولون من الجانبين
يساندونه ويساعدونه على المشي والتحرك.
وفي
حقيقة الأمر لا أدري لماذا يقع هذا البطل في هذه الحالة من الهيام أثناء التجول،
بل إنني لا أدري لماذا يقوم هؤلاء بحشد تلك الحشود والتجول في الطرقات.
ولعل
أحدهم لديه إجابة على بعض من أسئلتي الساذجة: لماذا اللون الأخضر تحديدًا لتغطية
القبة؟! ولماذا القبة؟! وأي قبر من قبور الصحابة أو التابعين ميزته القبة أو توشح
باللون الأخضر؟!
وإذا
كان الدين يقدس العلماء بعد مماتهم فلماذا لم نقم "القبة" على قبر عالم
من علماء الدين الذين اشتهروا بعلمهم الديني الواسع مثل شيوخ الأزهر السابقين أو
الشيخ الشعراوي مثلًا؟. ببساطة شديدة الجميع يعلم جيدًا أنه لا يجوز عمل ذلك عند
هذه القبور لأن هؤلاء علماء أجلاء ولن يُسمح لأي شخص عمل مثل هذا على قبورهم.
وما
الذي يدري محبي صاحب الخطوة ومقدسينه أنه سابق بخطوة فعلا وأنه ولي من أولياء الله
الصالحين؟!. ولو كان هو كذلك فعلًا فلماذا لا يتخذون من سيرته التي لا يعلمون عنها
شيئًا نبراسًا يحتذون به بدلًا من عمل مثل هذه البدع الضالة المضلة، بل والأدهى من
ذلك أـنهم يطلبون العون والمدد من صاحب الخطوة؛ وما هذا إلا شرك بالله.
إذن وبما أنه ليست هناك فائدة من أي نوع تعود على محبي صاحب الخطوة من عمل مثل هذه
الخزعبلات التي تضر ولا تنفع؛ أدعو أصحاب المسئولية وأخُص منهم المؤسسات الدينية، بالعمل
على التوعية المجتمعية بخطورة ما يفعل هؤلاء لرفع الغشاوة وظلمات الجهل عن أبصارهم
وتنويرهم، وأيضًا إزالة القبة والوشاح وذلك السور المعدني الذي يتبرك البعض بالمسح
عليه والدوران حوله، والقضاء على عوامل التفكير الخرافي التي ينتهجها مثل هؤلاء حتى
لا يسير النشئ على دربهم ويصبح الجهل أكثر تفشيا، وإبدالها بتعليم طرق تفكير
مختلفة تحث المجتمع على نبذ الخرافات ونقد الاشكاليات التي تواجه المجتمعات في
محاولة لتنقيتها من تراكمات فكرية أودت بعقول كثير من البسطاء.
صفاء عبد السلام فرحات تكتب: صاحب الخطوة
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
8:24 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: