محمد
عرفات حجازي[*]
الذكاء الاصطناعي هو فرع من
علم الحاسوب الذي يدرس ويُصمّم الآلات، أو "العميل الذكي" Intelligent agents كما يُسمّيه علماء
الحاسوب، وهو نظام يستوعب بيئته ويتّخذ المواقف التي تزيد من فرص النجاح في تحقيق
مهمّته أو مهمّة فريقه. وقد صاغ عالم الحاسوب "جون مكارثي" هذا المصطلح
بالأساس عام 1956م، وعرّفه بنفسه بأنّه "علم وهندسة صُنع الآلات
الذكية".
وللذكاء الاصطناعي أنواع هي:
الذكاء الاصطناعي المحدود (الضعيفweak AI) وهو القائم بالفعل في وقتنا الراهن، ويتميز بذكاء يقتصر على مجال
واحد مُحدّد، كهزيمتك في الشطرنج. النوع الثاني: الذكاء الاصطناعي العام (القويStrong AI)، وهو الآلة الذكية التي
استطاعت أن تُفكّر أخيرًا مثلما يُفكّر الإنسان. أمّا النوع الثالث فهو الذكاء
الاصطناعي الفائق Superintelligence، ويظهر هذا النوع من الذكاء عندما تتجاوز الآلة الذكية البشر
بسرعة ومسافة كبيرة، يفقد معها البشر، تمامًا، قدرتهم على السيطرة عليها، وتُصبح
مقولة Switch off
"اقفل الزّر" غير صالحة للتطبيق.
يهدف علم الذكاء الاصطناعي
إلى فهم طبيعة الذكاء الإنساني عن طريق عمل برامج للحاسب الآلي قادرة على مُحاكاة
السلوك الإنساني المُتّسم بالذكاء. وتعني قُدرة البرنامج على اتخاذ قرار في موقف
ما ـ بناءً على وصف لهذا الموقف ـ أنّ البرنامج نفسه يجد الطريقة التي يجب أن
تُتّبع للتوصّل إلى القرار بالرجوع إلى العديد من العمليات الاستدلالية المُتنوّعة
التي غُذِّي بها البرنامج.
أعلن إيلون موسك عن إطلاق
شركة "نورالينك Neuralink" ـ والتي يتمثّل هدفها الأساسي في خلق واجهة تدمج الدماغ مع
الذكاء الاصطناعي؛ لجعل البشر مُواكبين لتطوّر الآلات عبر دعم وتعزيز قدرة الدماغ،
وسيتمّ ذلك من خلال ابتكار جهاز أو مجموعة أجهزة يمكن زرعها داخله لدمجه مع
البرمجيات، كما يمكنها مثلًا أن تُوفّر مساحات تخزين إضافية قابلة للإزالة، أو
تقوم بإصلاح قدراتنا المعرفية في حال تدهورها نتيجة بعض الأمراض، كداء باركنسون،
والزهايمر... إلخ.
كما بدأت شركة "فونتيك
Fountech. Ai" للذكاء الاصطناعي
بتطوير رقاقة دماغية أطلقت عليها اسم "رقاقة غوغل"، تعمل على تعليم
الشخص كلّ شيء تقريبًا، على غرار مُحرّك البحث غوغل، وتزعم الشركة أنّها ستبدأ
بزراعة هذه الرقاقة في أدمغة المُتطوّعين والمُهتمّين بالمعرفة خلال العقدين
المُقبلين.
وأوضح الرئيس التنفيذي لهذه
الشركة "نيكولاس كيرينوس" أنّ فور زراعتها في أدمغة الناس لن يضطروا إلى
القراءة أو البحث عن أجوبة لأسئلة تدور في أذهانهم، إذ سيتمّ الردّ على كلّ
استفساراتهم على الفور، والتي ستؤدي في النهاية إلى إنهاء التعليم في المدارس.
وتقول الشركة: أنّ الرقاقة
ستمكّن أيّ شخص يتراوح عمره بين الثمانية أعوام والثمانين عامًا من تعلّم كلّ شيء
تقريبًا، وبالقدر نفسه.. ولكن لو صحّ ذلك: كيف سيبدو العالم بجماعات بشرية تتشابه
بما تعرفه ومن دون جهد؟ّ.
وقدمّت لنا السينما المصرية
قصة قريبة جدًا من ذلك، من خلال الفيلم الكوميدي "اللمبي 8 جيجا".. تدور
أحداث الفيلم حول اللمبي الذي يمتهن كتابة العرائض والشكاوى أمام إحدى المحاكم،
ويعيش حياة متواضعة مع زوجته نوجا التي تحاول زيادة دخل أسرتها بإعطاء الدروس
الخصوصية لأطفال المنطقة.. تتوالى أحداث الفيلم لتنقلب حياة الأسرة رأسًا على عقب
عندما يلتقي اللمبي بطبيب مهووس اخترع شريحة للتحكّم في قدرات عقل الإنسان، ويزرع
الطبيب الشريحة للمبي الذي تحوّل لإنسان خارق معلوماتيًّا، من خلال تحميل ملفات
السجل المدني كاملةً إلى جانب العديد من القوانين على تلك الشريحة، ليجد اللمبي
نفسه إنسانًا جديدًا لم تعد تلائمه مهنته البسيطة، فيتحول إلى محام، مغيّرًا بذلك
وجهة حياته، ويصبح شخصًا ذا حيثية اجتماعية.. وبرغم نجاح المحامي الهمام، بفضل
شريحته وذكائه الاصطناعي الجديد، في تبرئة العديد من المظلومين، وشهرته جرّاء ذلك،
إلا أنّه استخدم هذا الذكاء بطريقة لا أخلاقية سعيّا وراء المجد والشهرة والثروة..
وتستمر الأحداث ليطلب الدكتور المُخترع من اللمبي تحديد موعد ليُعلن عن اختراعه
الطبي المُذهل، وهو ما يعني نهاية أسطورة المحامي الخارق، يرفض اللمبي، ليُقرر
الدكتور المهووس إفساد حياته من خلال العبث بالشريحة عن بعد، ليجد اللمبي نفسه
أشبه بالكمبيوتر المعطل، ويفشل في الحفاظ على مكانته كمحامٍ ناجح، ليقرّر التخلّي
عن تلك الشريحة والاعتماد على الذات والاجتهاد في الدراسة بدءًا من رياض الأطفال..
هنا نطرح العديد من
التساؤلات: إذا غدت تلك الرقاقات باهظة الثمن، ألا يعني ذلك التمييز الصارخ لصالح
الأثرياء؟، ثمّ ما هي الخسائر التي قد تنتج عن وفاة أو رحيل أحدهم عن المؤسسة
التابع لها؟ وإذا باتت في متناول الجميع، هل ستغزو الأسواق العالمية رقاقات صينية
الصنع (صناعات ركيكة)، وما مدى أضرارها؟، ثمّ هل ستساعدنا تلك الرقاقات على
التفكير العام بشكل جيد، ما يجعلنا نُبدي سلوكًا أكثر ذكاءً؟، ألا يعني ذلك القضاء
على العملية التعليمية برمّتها؟، وإذا كانت تلك الرقاقات ستعمل على زيادة سعة
الذاكرة بالإضافة إلى تحسين الوظائف الإدراكية ملايين المرات، فهل ستصبح عقولنا
عرضةً للقرصنة؟، وما هو مدى الأمان لنا ولحيواتنا؟
مراجع
-آلان بونيه،
الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبله، ت/ علي صبري فرغلي، عالم المعرفة، الكويت،
1993م.
- Futurism.com
محمد عرفات حجازي يكتب: تطبيقات الذكاء الاصطناعي وسؤال القيم (1) رقاقة غوغل
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
4:57 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: