الهوس الكُرويّ ـ قراءة فلسفية
محمد عرفات حجازي/ باحث في الفلسفة والأخلاق التطبيقية ـ مصر
الهوس يعني طرفٌ من الجنون،
والهوس الكُرويّ هو ضرب من الجنون في متابعة وتشجيع فريق أو مُنتخب الكرة عمومًا،
وكرة القدم على وجه الخصوص.
إنّ الهوس الكرويّ،
المُنتشر عربيًّا، على نطاق واسع، نَجم عن تضافر بين: بيئة اجتماعية مُضطربة،
وزعامة تسلّطية أو استبدادية، وأيديولوجيات وسياسات مُتطرّفة. تخلق الظروف
المُتفسّخة على مستوى قومي بيئة يستشري فيها العنف، في هذه البيئة يتطلّع السُّكان
المُنهكون الهائمون بلا هدف إلى الزعماء الذين يَعِدُونهم بالخلاص عن طريق بنية
سياسية واجتماعية جديدة قائمة على أفكار قادرة على تحويل وجه الحياة. تُسوّغ هذه
الأفكار التي قد تكون رجعية (عُدوانية)، ومع إحكام الأنظمة السياسية سيطرتها،
فإنّها تميل إلى وضع كرة القدم في دائرة الشكّ، بوصف الفريق المُقابل عدوًا، وعلى
ذلك، يُصبح استعمال العُنف مع أنصار الفريق الخصم من المُمارسات المقبولة.
وفي ظلّ ظروف الضغط الاجتماعي
الحاد، يتخلّى الأفراد عن حُرّية المُطالبة بالخصوصية، والكفاح مع العدالة وضدّ
الظُلم والظروف المعيشية العسيرة، والتعبير عن الأفكار في سياق اجتماعي، وتحلّ
محلّ القلق بشأن الاحتياجات والأمان منظومة فكريّة مُنغلقة، قائمة على افتراضات
ساذجة، تُفسّر الوجود برمّته، وتُعقلن القدر، فإذا تفاقمت ظروف التفتُّت
الاجتماعي، والعُزلة الفردية، تتوقّ الشعوب إلى بروز زعامة (لاعب موهوب) تتمكّن من
استغلال الأحوال المُتردّية لإعادة الهوس الكُروي إلى النفوس من جديد.
وتتّسم الأيديولوجيات
السياسية على نحو خاص، بقدرتها على إغواء الجماهير؛ إذ تُبرّر تحرّكها بمواجهة
الإحباط والوهن الذي تفرضه الأوقات العصيبة، وتُحدّد كبش الفداء (الفريق
المُقابل)، فتُقدّم بذلك مسارًا لمُمارسة العُدوان الذي ينشأ عن مشاعر الاستضعاف،
وخير مثال على ذلك، حالة التوتّر، بل والصراع، بين الجمهورين المصري والجزائري
الشقيقين، مُنذ عقود، والتي تسبّبت فيها وسائل الإعلام، من خلال الترويج لفكرة أنّ
الفريق المُقابل قد حرمنا لذّة الفرحة والنصر وألحق بنا الهزيمة.
ويرى ذوو النزعة الكُروية
المُتطرّفة، العنف الكُروي، في الغالب، تعبيرًا عن الفُحولة، وبممارسته ضدّ أنصار
الفريق المُقابل، تكون إصابة الآخر فعلًا مُطهّرًا ومُقدّسًا، أمّا الفريق الذي
يعتبر العُنف لا أخلاقيّا فقد ضاعت رجولته.
لقد عملت الصفوة العربية
المُتطرّفة على حشد عناصر اللاعقلانية في السلوك العربي، وصوّروا مُباريات كُرة
القدم كمعركة مصيرية، بل وتحويل الاعتداء على أنصار ومُشجّعي الآخر إلى طقس
احتفالي يبعث في النفس القوة والثأر من الآخر، لتتحوّل تلك المُباريات من وسيلة
لتقريب الشعوب، والترويح النفسي، إلى آلة لغرس الفتن بين أبناء الشعوب العربية، بل
وبين أبناء الوطن الواحد..
ليست هناك تعليقات: