تمامًا كالنقطة
التي توضع في آخر الجملة معلنة انتهاءها؛ ذلك هو الموت يأتي أخيرًا ليخبرنا
بالنهاية، ولكن مثلما تنهي النقطة الجملة، وسرعان ما تبدأ بعدها جملة جديدة،
فسرعان ما تبدأ بعد الموت حياة جديدة.. وهكذا توضع النقطة بنهاية كل جملة إلى أن
توضع النقطة نهاية الموضوع لينتهي ككل. وهكذا أيضًا تمر مراحل الحياة بالنسبة
للإنسان، فتبدأ مرحلة يعيشها الفرد بكل تفاصيلها إلى أن تموت هذه المرحلة وتنتهي بلا
رجعة؛ لتعلن بداية مرحلة جديدة ـــ التي بدورها تضع المرحلة السابقة عليها في
أرشيف الذكريات، وهكذا حتى تنتهي مراحل الحياة جميعها بالنسبة للفرد.. ويموت
الجسد.. وهكذا ينتهي كل شيء.. فهل يعتبر الموت هو النهاية؟!
بالنسبة
للعقيدة الكونفوشية.. نعم الموت هو النهاية. فقد آمن كونفوشيوس
"بالسماء" كقوة مسيطرة ولكن بوصفها الإرادة العامة للخلق والبشر وتسيير
الكون فقط؛ لذلك قام بوضع مبادئ أخلاقية عامة يسير عليها الحكام والشعوب دون تفريق،
حتى اعتلاء المناصب يعتمد على من لديه مبادئ أخلاقية تفوق الآخر، والموت هو النهاية
عند كونفوشيوس وأتباعه، حيث لا وجود للعالم الآخر ولا البعث والحساب والخلود.
أما بالنسبة
لنا كأصحاب عقائد سماوية فالأمر مختلف، فإن كنا نؤمن بأن الأخلاق مبادئ عامة يجب
أن يتعامل من خلالها الجميع فنحن أيضًا نؤمن بالكتب المقدسة ولنا عقائدنا الدينية
فنؤمن بأن هناك ما بعد الموت، فالموت ليس هو النقطة التي توضع بنهاية الحياة لتعلن
الفناء الأبدي، وإنما هو نقطة نهاية تعلن بداية جديدة من نوع آخر هي أجل وأعظم شأنًا
من هذه البداية الدنيوية.
تلك البداية
التي لم تبدأ من العدم وإنما كانت بدايتها منذ أن التقط الفرد أولى أنفاسه في
البداية الأولى ــــ الدنيا، أتفق تمامًا مع الفيلسوف "مصطفى محمود" حين
ذكر أن الانسان "إنما يخلق ليولد بمفره ويموت وحده ويشيخ وحده ويتألم وحده
ويلقى الله وحده"، ولكن على الرغم من ذلك، إلا أن هذا الفرد الذي يعاني
الوحدة يعد جزءًا فاعلًا في الكيان الجمعي الإنساني يؤثر في الكون ويتأثر به، فالواحد
في مجمله هو الجميع، وليس العكس، فهذا الجميع الذي يتكون من أفراد لا يتأثر بنهاية
أي فرد وسقوطه؛ حيث أن هناك دائمًا بدايات جديدة لأعضاء جدد في هذا الكيان المتجدد
دائمًا، وهذا الكيان الجمعي قائم منذ أن خلق الله تعالى آدم وأورثه الأرض وسيظل
قائمًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
بيد أن من
يتأثر بالنهاية والسقوط إنما هو الفرد ذاته، إنني دائمًا أتساءل: كيف لهذا الفرد
الضعيف أن يؤثر إيجابًا أو سلبًا في هذ الكون العظيم؟! وقد تصيبني الدهشة والحيرة
عندما أفكر كيف يقوم الفرد بمبادرة نفسه لربه وينتحر دونما العمل الجاد استعدادًا
لنقطة النهاية.
هل تعد هذه
النقطة حقًا هي النهاية؟!.. إن نظرة المنتحر اليائسة للحياة جعلت ماهية الموت
قاصرة على انتهاء الحياة الأولى فقط، إذن فما الفرق بين المنتحر الملحد أو
الكونفوشي أو صاحب الدين السماوي؟! إن الأمر بينهم جميعًا كأفراد أمر سيان فجميعهم
يائس لكونه ليس عضوًا فاعلًا في الكيان الإنساني الجمعي؛ فرأى أن يلجأ للفناء، للا
شئ أفضل من وجوده الذي يمثل لا شيء، وإنما قيامي بالمساواة بين صاحب الدين السماوي
وبين الباقين الذي لا يؤمنون بوجود الحياة الآخرة يأتي من منطلق أن الشائع حاليًا
هو فصل العقيدة عن الحياة فجهل بها أصحابها وبالتالي تساووا مع من اقتصرت نظرتهم
على أن الموت هو النهاية.
إن تلك
النهاية هي بداية لحياة جديدة يحددها ــــ بعد رحمة الله تعالى ــــ ما قام به
الفرد في الحياة الأولى، إنها نهاية الموت وبداية الحياة الأبدية.. إنه الخلود.
ًصفاء عبد السلام فرحات تكتب: نهاية الموت
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
2:54 ص
Rating:
اللهم ارحم ابي واغفر له وعافه واعفو عنه
ردحذف