الهوس الجنسي ـ قراءة فلسفية
محمد عرفات حجازي[*]
الهوس
يعني طرفٌ من الجنون؛ والجِنْسُ: الضّربُ من كلِّ شيء.. وهنا يُمكننا القول بأنّ:
الهوس الجنسيّ هو نزوع يعتريه الجنون نحو الآخر، سواء كان الآخر من نوع مُغاير
(الذكور تجاه الإناث والعكس)، أو من نفس النوع (اللواط في حالة الذكور/ والسحاق في
حالة الإناث).
تكمن الجذور السيكولوجية
والثقافية للهوس الجنسي ـ فيما نعتقد ـ في أنماط الاستجابة للتفسُّخ الاجتماعي
الذي ينْجُم عن عِدّة أمور منها: غياب الوعي العام السليم؛ والاضطراب الناجم عن
التحوّل السريع نحو التحضّر والعلمنة والكساء الاقتصادي. وهذه العوامل نفسها تتّصل
بالعنف الذي يستهدف الوعي والثقافة، وهو ناتج نهائي لعملية يُحرّكها الإحباط، وضعف
كامن في المجتمع يعوق بطرق عديدة سُبُل التحقُّق الشخصيّ والجمعي للاحتياجات
الإنسانية الأساسية.
عندما يرى أفراد المجتمع
أنّ الرفاه وتصوّرهم عن الذات ورؤيتهم للعالم بل الحياة نفسها موضع تهديد، وعندما
تخلق الظروف الثقافية والاجتماعية مطالب تفوق ما يُمكن أن تُلبِّيه الموارد
المُتاحة للناس، تتدفّق مشاعر الغضب والسخط واليأس. وحينها، تفقد النماذج
الاجتماعية الثقافية والسياسية التقليدية مكانتها، ويتحوّل الناس إلى رؤى بديلة
تسوق وعودًا بشأن الهوية والأمل والتحكّم في مجريات الأحداث، وغالبًا تكون تلك
الرؤى من خلال تقمّص أدوار الأبطال السينمائيين.
لقد خلقت السينما العربية
عمومًا، والمصرية خصوصًا، أرضًا خصبة لنماذج الأبطال التي يمكن السير على هُداها
للتغلّب على المشاكل الاجتماعية والنفسية... إلخ، كما بثّت في النفوس الوعد
بالتجديد، وعرضت على المجتمع الهوية والإرشاد وأسلوب التنظيم، وفي المقابل، قدّمت
الأيديولوجيات الرجعية رؤية عن عالم جديد وأفضل بصورة جذرية، يتمكّن فيه الفرد أو
الجماعة أو المجتمع من تحقيق أقصى إمكاناته وطموحاته، في مجتمع عادل يُؤمّن حقوقًا
مُتساوية..
وفور تعرِّي الأيديولوجيات
الرجعية، لم يبق أمام المواطن سوى أبطال السينما، يتقمّص أدوراهم، ويحيا بفكرهم،
عساه أن يصيب من الدنيا بعضًا مما أصابه الفنان في دوره البطولي المعروض.. وهنا
يقع العقل الجمعي في مأزق خطير، من خلال عدم إدراكه، أو تجاهله للعاقبة الوخيمة
التي تعرّض لها البطل في فيلمه، أو قد نكون أمام حالة وعي تام يعتريها نوع من
الذكاء بمحاولة التغلّب على ما تعرّض له البطل في دوره المنشود.
وما زاد القضية خطورة،
إنّما هو الحياة الشخصية لهؤلاء الأبطال، والتي يتمّ سرد خطوطها العامة في النشرات
والمجلات الفنية، والتي عملت على ترسيخ قناعات من قبيل التطرّف أو الشذوذ الجنسي لدى
العقل الجمعي العربي، والأمثلة على ذلك عديدة..
أبعد من ذلك، فبرغم تقنين
عقوبات ضدّ التطرف الجنسي، في أغلب الدول العربية، إلا أن السلوك الجمعي ما زال
يمضي قُدمًا، وبخطىً مُسرعة، نحو لذّته المنشودة، وربّما يعود سبب ذلك، إلى اعتقاد
الأغلبية بأنّ أسرة الضحية (في حالات من قبيل: التحرّش أو الزنا أو الاغتصاب) لن
تلجأ إلى المحاكم لعدّة أسباب، أبرزها: طول الفترة الزمنية اللازمة، وثانيًا، وهو
الأهم: سوء السمعة والتشهير الذي قد يلحق بالأسرة والفتاة من قبل..
إنّنا أمام قضية جدًا
مُتشابكة، هوس جنسي لدى الزوجة في الوقت الذي يلهث فيه الزوج لأجل توفير ضروريات
الحياة؛ وهوس جنسي من الزوج نتيجة لضغوطات الحياة، وإهمال الزوجة نفسها وحقوق
زوجها في الغالب بحجّة الانقسام بين أعمال المنزل، والعمل، وتربية الأبناء... ؛
وهوس جنسيّ لدى الشباب (كلا النوعين) نتيجة للسطحية وغياب الوعي السليم وتأخر سنّ
الزواج.. وقد غذّت السينما العربية، بل والمسلسلات المُدبلجة جميع تلك الحالات،
ناهيك عن الانترنت وما يعرضه من مقاطع إباحية تعُجُّ بالأفعال الشاذة بل
والمُحرّمة دينيًّا ولا يجد المُشاهد (كلا النوعين) حرجًا في تطبيقها ولكن خارج الإطار
الزوجي، إلى جانب غياب الرقابة والإرشاد وتدنِّي مستوى والوعي.. وقد توّج جميع
ذلك: مفهومنا المغلوط للحرية.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أين هو العقل (الوعي)
الديني من كلّ ذلك؟، ثمّ ألا نخاف على أنفسنا من الأمراض الفتّاكة التي قد
تُسبّبها تلك المُمارسات؟
إنّه وبرغم علم الجميع
بتحريم تلك المسائل، إلا أنّ البعض يُمنِّي نفسه بطول الحياة وإمكانية التوبة
لاحقًا، ويُضيف البعض: إن سبقنا الموت فإنّ الله غفورٌ رحيم، مُستندين في ذلك إلى قوله
تعالى: "إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".. ومن
جهة أخرى، فإنّ الرغبة العارمة في انقضاء الشهوة تحول دون التركيز والتفكير بشأن
الأمراض التي من المُحتمل ـ حسب البعض ـ أن تُصيبهم جراء أفعالهم.
محمد عرفات حجازي يكتب: الهوس الجنسيّ ـ قراءة فلسفيّة
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
11:45 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: