د. رائد عبيس
ماذا يعني نقاء الهوية؟ وهل نجد هناك هوية نقية؟ بعيدًا عن التداخل بينها
وبين هويات أخرى؟ وهل هذا التداخل أو الاختلاط الهوياتي يأتي دائمًا بأبعاد
إيجابية بين الهويات المتجاورة أو المتشاركة؟ أم هناك هجينية بين الثقافات البشرية
عامة والهويات العراقية خاصة؟ متى تتحول المشتركات إلى ملوثات بين الهويات؟ ومتى
يتحول الدخيل الثقافي إلى فايروس معدي ومشوه وقاتل؟ وهل للثقافات قدرة تحصينية ضد
ما يلوث ثقافتها؟ هذه أسئلة ربما تعد أسئلة افتراضية عند من يقرأها؛ لأن كل
الثقافات البشرية وما ينتج عنها من هويات، يكون بينها تداخل وتأثير وتأثر، بشكل
مباشر أو غير مباشر، ولكن هناك مناسبات، ومواقف يبدأ بها هذا التأثير يقوى أو يضعف،
أو يطغى أو يتحول إلى ثقافة أو ثقافة منشطرة جديدة ناتجة من ذلك التفاعل. وهذا
يؤكد فكرة الحديث عن هوية ملوثة، وأسباب التلوث تتضح أو تدرك بعد أن يكون التلاقح
بين الهويات والثقافات، ينتج حركات راديكالية متطرفة، تنقلب على الأصلين معًا
وتكون قاتلة ومكفرة لكليهما، وإن لم يكن ذلك شرطًا محتومًا على كل الثقافات أو
العقائد؛ لأن بعضها تعرضت لذلك فكان مصيرها الاندثار أو التلاشي، أو التعديل والتبدل
أو القبول بالهجينية، كثقافة بين جماعات ثقافية أو عقائدية أو فكرية، كالمرحلة
الهيلينستية، والمرحلة الهيلينية التي نتج عنها اندماج بين ثقافة الغرب والشرق،
وما ترتب عليها من قبول أو عدمه أو تكفير أو تفكير.
هل يعني ذلك أن النقاء أمر متحقق في ثقافة ما دون اخرى؟ لا نعتقد أن هناك
ثقافة نقية بشكل كامل في الثقافات البشرية، وعدم النقاء هذا يعني أن هناك نسب من
الخليط الثقافي مع ثقافات مشاركة في إنتاج قيامها، سواء كان ديني أو فلكلوري أو
حضاري، وهذه المشاركة لا تعني التقاطع الذي يتحول إلى فكر ملوث بأفكار العنصرية أو
العدائية أو الأنانية أو التغالب أو الانتقام، فمثل هذا الاستثمار الملوث بطموحات
شريرة تجاه ثقافات أخرى مشاركة بكثير من التفاصيل، يعد استثمارًا مستندًا إلى مأرب
الإبادة والظهور أو التدخل في مجريات رسم طريق جديد لثقافة جديدة، كالتي ظهرت وإن
كانت بشكل مؤقت وطارئ واضمحلت، أو كالتي ظهرت بشكل اتفاقي وتحولت إلى عقيدة ثابتة
أو ثقافة راسخة، وهذا ما نجده في الموروث الديني، مثلا نجد رواية كاذبة وغير
منطقية تسود بين الأوساط الشعبية أو الرسمية وتؤخذ بها على أنها جزء من الدين
نفسه، أو حادثة تاريخية باطلة تتحول إلى مصداقية في الوعي الجمعي، وهذا ولعل
المحققين أو المدققين يكتشفون زيف هذا الأمر وملوثاته التي يتلوث بها فكر الأجيال
القادمة ولكنهم يعجزون عن تغييره؛ لأنه أصبح من حقيقة الجماهير وتصديقهم.. وللحديث تتمة.....
د. رائد عبيس يكتب: الهوية الملوثة إشكالية التطهير والتلاعب بالمصير
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
8:50 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: