اتحاد الفلاسفة العرب

مشروع حضاري فكري تنويري، يهدف إلى جمع فلاسفة ومتفلسفة العالم العربي من المحيط إلى الخليج؛ لأجل تحويل الخطاب الفلسفي إلى خطاب عقلنة مجتمعاتنا التي تأخرت قرونًا عن ركب الحضارة..

صبحي عبد العليم نايل يكتب: الإلحاد في المجتمعات العربية


الإلحاد في المجتمعات العربية

   وفقًا لعلوم الأنثروبولوجيا والاجتماع، لتحديد ظاهرة ما، يعاني منها أحد المجتمعات، لا بد للبحث عن كيفية صياغة الوعي داخل هذا المجتمع، وحدود هذا الوعي، والنمط المعرفي الذي تكون له الغلبة داخل هذا المجتمع.
   والمجتمعات العربية تعاني من التفكير الأسطوري وتميل إليه أكثر من ميلها إلى التفكر العلمي والبحث عن السببية. وما يعمل على صياغة الوعي الجمعي داخل المجتمعات العربية، هي الفئة الموكلة بإصدار الأحكام والتعاليم الدينية، وفقًا لنظرة المجتمع العربي إلى رجال الدين – كونه دائمًا يمدح الخضوع إليهم – الذي يراهم عارفين، واللذين بدورهم يصدرون صورة عنهم بأنهم مالكي الحقيقة.
   لذا أول ما يسأل عن الأزمات الطاحنة التي تتصدر المجتمعات العربية، بحكم العقل الإنساني – والذي هو هبة من الله – هم رجال الدين. فإن أي ثقافة خلاف الثقافة الدينية بتياريها المؤسسي والشعبي، تكون هامشية، لم يكتب لها الوجود على الساحة في التاريخ العربي.
   لذلك تكون مشكلة الإلحاد في المجتمعات العربية، أول ما يسأل عنها "رجال الدين"، وليس لتقصيرهم في دعوتهم أبدًا، فهم لا يكلون ولا يتراجعون ولا يتراخون. ولكن تكمن الأزمة في أن التيارات الدينية لا تقدم خطابها بوصفه خطابًا بشريًا، ولكن دومًا ما تصبغه بالصبغة الإلهية المطلقة، فلا تقدم رأيها بوصفه رأيًا، وإنما تقدمه "كحقيقة إلهية" مفروض على الإنسان اتباعه. لذا يكون الخروج عن هذا التصور أو هذا الرأي – الذي يكون إنسانيًا بطبيعة الحال – لا صياغة له سوى مفهوم (الإلحاد)، وهنا يكون الإلحاد صفة يطلقها كل من يزعم إمتلاك الحقيقة على من يعارضه.
   أما قضية ((إنكار وجود الله))، - في غالبية الأحيان - تكون بمثابة محاولة للخروج عن السلطة التي تتغلغل داخل الأطر المعرفية، والأطر الاجتماعية، والأطر السياسية في المجتمعات العربية، التي تعمل على صياغة مشروعية لها من قبل السلطة الإلهية أو التراث الديني. فثمة فارق ما بين الملحد العربي والملحد الغربي، فالملحد الغربي لديه قضية ((البحث عن الله)) ، وقضايا برهانية تضحد أمورًا محورية وأصيلة في مسألة الوجود الإلهي ولم يجد لها إجابة مرضية بالنسبة إلى عقله  أو دليلاً مقبولاً بالنسبة إليه، أما الممثل العام للملحد العربي هو هذا الذي يحاول البحث عن لقيمات تسد رمقه فيعود خائبًا جائعًا فيلعن وجود الله، وأخبروه أن الأمر كله بيد الله فهو من يولي وهو من يرزق وما للإنسان من شيء ولا قدرة، لاغين سلسلة طويلة من الأسباب والمسببات، دون الانتباه إلى عاقبة الأمر، التي تكون بالضرورة المنطقية الخروج عن كل من يتحدث (باسم الإله) ، والخروج عن الإله كونه هو المتسبب في الظلم والجوع والهوان الذي يعتري هذا الانسان أو ذاك.
   فكل فاعل يحاول تبرير فعلته، بأن يجد لها نصًا دينيًا في ظرف يختلف تمامًا عن الظرف المعني بتبريره، حتى تصبح كل الموبيقات ترتكب باسم الإله، وتكون كل سلطة هي من سلطة الله، وبخاصة السلطة التي لا تكون لها مشروعية حقيقية داخل المجتمع. لذا يجد الإنسان العربي نفسه محاصرًا بالله، فكل أمر يكون من الله، وكل متحدث يتحدث باسم الله، وكل ظلم يقع عليه يكون باسم الإله. فكل ما حوله من جوع ودمار وسرقة وإجرام يتم باسم الله، تُسرق من يديه كسرات خبزه باسم الإله، تُنهب أحلامه باسم الإله، يُستغل جوعه باسم الإله، يسير في حياته سير الموتي باسم الإله. فلا يجد سبيلًا لتحقيق بشريته والحفاظ على أحلامه من المتاجرة إلا أن ينكر وجود الله، فيكون موقفه رد فعل على السلطة المتفشية داخل المجتمع والتي تسلب منه إرادته أكثر من كونه موقفًا وجوديًا يبحث له عن إجابة.
صبحي عبد العليم نايل يكتب: الإلحاد في المجتمعات العربية صبحي عبد العليم نايل يكتب: الإلحاد في المجتمعات العربية Reviewed by Union of Arab Philosophers on 1:35 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

عن مؤسس المدونة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Translate

انضم إلي صفحتنا عبر الفيس بوك

https://www.facebook.com/%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-729058127473555/?modal=admin_todo_tour

اخر المواضيع

اعلان 728x90

يتم التشغيل بواسطة Blogger.