د. أحمد عبد الحليم عطية[*]
ونحن نتذكر ما قدمه زكريا إبراهيم
من جهود فكرية متميزة، نتذكر ملامح الإبداع الفلسفي في مصر على امتداد عقود
ثلاثة منذ عودته من بعثته لدراسة الفلسفة في باريس حتي رحيله في منتصف السبعينات، حيث تابع بامتياز أهم التيارات
الفلسفية الغربية سواء الاتجاهات العلمية الوضعية أو الإنسانية الوجودية أو
المثالية والواقعية الجديدة أو العقلانية النقدية لدي كل من زكي نجيب محمود، وعبد
الرحمن بدوي وعثمان أمين ويحيي هويدي وفؤاد زكريا. ويتفرد زكريا إبراهيم بصعوبة
تصنيفه في إطار تيار فلسفي محدد، فهو يتجاوز التصنيفات الفلسفية المعروفة. وإن كان
أقرب إلى التيارات الفينومينولوجية والوجودية المؤمنة. ويمكننا إذا استعرضنا مؤلفاته
المختلفة نجده أكثر أهل الفلسفة في مصر اهتمامًا بالفلسفة الأخلاقية وفلسفة الفن.
لقد مهد طريقًا للكتابة
الفلسفية في الفن بعد أن استأثر بها علماء الاجتماع مثل عبد العزيز عزت، وعلماء
النفس لدى يوسف مراد في منهجه التكاملي. ويأتي زكريا بكتاباته عن ’فلسفة الفن في
الفكر المعاصر’، و ’مشكلة الفن’ و ’الإنسان
والفنان’ ليؤسس للدراسات الفلسفية الجمالية. وبالإضافة إلي أعماله المتميزة حول
الفلسفة الحديثة: خاصة كتابيه عن’ كانط والفلسفة النقدية’ و ’هيجل والمثالية
المطلقة’. وتأتي سلسلة كتاباته تحت عنوان مشكلات فلسفية: ’مشكلة الفلسفة’، ’مشكلة
الانسان’، ’مشكلة الحرية’، ’مشكلة البنية’، ثم يأتي إسهامه المتميز في الفلسفة
الأخلاقية، وهو ما نود أن نعرض له في هذا المقال.
يتجاوز زكريا إبراهيم التصنيف، ومع
هذا يمكننا أن نضع أيدينا علي بعض السمات التي تميز فكر زكريا إبراهيم الفلسفي،
حيث يؤكد في نهاية كتاب المشكلة الخلقية ما أراد أن ينفيه، إذ يقول: ’لقد عملنا في
تضاعيف هذا الكتاب علي ربط الأخلاق بالحياة، وحين عمدنا الربط بين المشكلة ’الخلقية’
ومستوى ’الخبرة المعاشة’ فإننا لم نكن نقصد من وراء ذلك تقديم ’أخلاق وجودية’، أو
وضع مذهب أخلاقي جديد نضيفه إلي قائمة الأخلاق المعروفة، بل كنا نرمي أولًا
وبالذات إلى وصف ’الخبرة الخلقية’ علي نحو ما يعانيها الموجود البشري في صميم
حياته العملية. وهذا هو السبب في أنا لم نتوان لحظة عن الكشف عما تنطوي عليه
الحياة الخلقية من ’متناقضات’ وضروب صراع ومظاهر توتر’.
ويوضح لنا زكريا إبراهيم
تطور كتاباته الأخلاقية، فيذكر أنه قد تناول الحرية الأخلاقية، وعلاقة الفكر
بالإرادة في كتابه ’مشكلة الحرية’، وناقش مشكلة الشر وما يتعلق بها في ’مشكلة
الإنسان’، وتناول ’أخلاق الواجب’ في ’المشكلة الخلقية’، إلي جانب عرض موقف المدرسة
الاجتماعية الفرنسية من المشكلة الخلقية في كتابه ’الأخلاق والمجتمع’، وعرض لبعض
الفضائل الخلقية مثل المحبة والغيرية والتعاطف في ’مشكلة الحب’، بالإضافة إلى
كتابه ’مبادئ الفلسفة والأخلاق’، مع عدد من المقالات والأبحاث التي تدور حول
الأخلاق، مثل: ’عودة إلي مشكلات الأخلاق’، و ’المشكلات الخلقية عند الفيلسوف
الوجودي’، بالإضافة إلي تناوله للمباحث الخلقية المتعددة عند الفلاسفة المعاصرين
في كتابه ’دراسات في الفلسفة المعاصرة’.
ويمكن أن نلتمس موقف زكريا إبراهيم
الفلسفي عامة في كتابه مشكلة الفلسفة، وموقفه من علم الأخلاق في ’المشكلة الخلقية’،
بالإضافة إلي بعض القضايا التي نجدها في كتابه ’مشكلة الحياة’ حيث يؤكد أن الإنسان
هو الحيوان الناقص الذي يضيف إلى لغة الواقع لغة القيمة. ويبين أن قيمة الحياة قد
ترتبط بمعاني التضحية والبذل والسخاء، وأن المثل الأعلى هو زهرة الحياة البشرية.
ويتضح ذلك بصورة جلية في مقدمته التي يتناول فيها معني الحياة وأنها تحمل في ذاتها
مبررات وجودها، وأن الموت هو الذي يخلع معنى على الحياة، التي هي توتر مثمر بين ما
هو كائن وما ينبغي أن يكون. ويؤكد هذا المعنى مرة ثانية حين يبين في الخاتمة دور
القيم في حياتنا البشرية.
وتظهر أخلاق زكريا إبراهيم الوجودية في رده علي مزاعم أصحاب ’علم الاجتماع الخلقي’ الذين حاولوا أن يفصلوا ’الأخلاق’ عن ’الفلسفة لكي يربطوها بعلم ’الاجتماع’ بدعوى أن ’الظواهر الخلقية’ لا تخرج عن كونها ’ظواهر اجتماعية’. أن إبراهيم لا ينتقد الوضعية بوجهة نظر الوجودية، أي أنه لا يكتفي بعرض وجهات نظر مقابلة بل يدلل لنا بقناعة وجودية كاملة على موقفه. وحسبنا كما يقول أن نرجع إلى ذواتنا، لكي يتحقق من أن كلًّا منا لا بدّ من أن يجد نفسه في هذا العالم مندمجًا دائمًا في موقف خاص. ويؤكد أن المشكلة الخلقية هي أولًا بالذات في نظرنا مشكلة شخصية تتصف بالطابع التاريخي الدرامي الذي تتصف به أية خبرة أخرى معاشة. وواضح أن كلمة في نظرنا تعبر عن موقفه وأن هذا الموقف هو الموقف الوجودي، كما يؤكد في الصفحة التالية ’ربما كان من بعض أفضال الفلسفة الوجودية علي الأخلاق أنها قد أظهرتنا علي ما للعامل التاريخي الدرامي من أهمية كبري في كل أخلاق فردية. والخبرة الأخلاقية عنده تعني كل خبرة بشرية معاشة يمكن أن تنطوي على مضمون ذي قيمة. وهو يري أن الفعل الأخلاقي فعل متميز متفرد يأتي على غير مثال فهو بمثابة وقفة’ لا تقبل الإعادة.
يتحدث زكريا إبراهيم في المقدمة عن: مكانة الإنسان في العالم بوصفه (كائنًا أخلاقيًا)، كما يتناول دور(الحرية) في سلوك ’الكائن الأخلاقي’. فالخيرية وليدة الحرية. والحرية هنا تعني الذاتية، أي التجربة الخاصة وليس في وسع أحد أن ينقل إلى الآخرين خبرته الأخلاقية بكل مالها من دلالة روحية عاشها وعاناها لحسابه وإنما لا بدّ لكل شخص من أن يستخدم حريته الخاصة في مواجهة الحياة الشخصية التي لا بدّ من معاناتها.
وتظهر أخلاق زكريا إبراهيم الوجودية في رده علي مزاعم أصحاب ’علم الاجتماع الخلقي’ الذين حاولوا أن يفصلوا ’الأخلاق’ عن ’الفلسفة لكي يربطوها بعلم ’الاجتماع’ بدعوى أن ’الظواهر الخلقية’ لا تخرج عن كونها ’ظواهر اجتماعية’. أن إبراهيم لا ينتقد الوضعية بوجهة نظر الوجودية، أي أنه لا يكتفي بعرض وجهات نظر مقابلة بل يدلل لنا بقناعة وجودية كاملة على موقفه. وحسبنا كما يقول أن نرجع إلى ذواتنا، لكي يتحقق من أن كلًّا منا لا بدّ من أن يجد نفسه في هذا العالم مندمجًا دائمًا في موقف خاص. ويؤكد أن المشكلة الخلقية هي أولًا بالذات في نظرنا مشكلة شخصية تتصف بالطابع التاريخي الدرامي الذي تتصف به أية خبرة أخرى معاشة. وواضح أن كلمة في نظرنا تعبر عن موقفه وأن هذا الموقف هو الموقف الوجودي، كما يؤكد في الصفحة التالية ’ربما كان من بعض أفضال الفلسفة الوجودية علي الأخلاق أنها قد أظهرتنا علي ما للعامل التاريخي الدرامي من أهمية كبري في كل أخلاق فردية. والخبرة الأخلاقية عنده تعني كل خبرة بشرية معاشة يمكن أن تنطوي على مضمون ذي قيمة. وهو يري أن الفعل الأخلاقي فعل متميز متفرد يأتي على غير مثال فهو بمثابة وقفة’ لا تقبل الإعادة.
يتحدث زكريا إبراهيم في المقدمة عن: مكانة الإنسان في العالم بوصفه (كائنًا أخلاقيًا)، كما يتناول دور(الحرية) في سلوك ’الكائن الأخلاقي’. فالخيرية وليدة الحرية. والحرية هنا تعني الذاتية، أي التجربة الخاصة وليس في وسع أحد أن ينقل إلى الآخرين خبرته الأخلاقية بكل مالها من دلالة روحية عاشها وعاناها لحسابه وإنما لا بدّ لكل شخص من أن يستخدم حريته الخاصة في مواجهة الحياة الشخصية التي لا بدّ من معاناتها.
إن موقف زكريا إبراهيم الوجودي لن
يفهم إلا من خلال إطاره الذي قدم فيه كتاباته في الخمسينات وبداية الستينات؛ حيث
قدم هذا الموقف مقابل الجماعية السائدة وقت ازدهار الدعوى إلى الاشتراكية، ومن هنا
فهو يأخذ علي فلاسفة الأخلاق في مجتمعنا العربي المعاصر: أنهم قد تناسوا دورهم
الخطير في هذه الفترة الحرجة من تاريخنا فتنازلوا عن كل شيء لرجل الاقتصاد أو
الاجتماع أو السياسة، وكأن ’الدولة’ تتكلف وحدها بحل كل ’مشكلة خلقية’ أو كأن خلاص
’الفرد’ رهن بقيام ضرب من ’الرفاهية المادية’. ويستدرك أننا في مجتمعنا العربي
الحالي قد أصبحنا نحيا في ظل نظام اشتراكي يقتضي منا أن نضع كل نملك في خدمة أمتنا
ولكننا في الوقت نفسه نشعر بأن لنا كأفراد ’حياة خاصة’ نريد أن نتصرف فيها بما
تمليه علينا حريتنا الشخصية.
د. أحمد عبد الحليم عطية يكتب: زكريا إبراهيم رائد الفكر الأخلاقي
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
4:08 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: