صفاء عبد
السلام فرحات[*]
حرفيا،
من المحيط إلى الخليج، تضامن العالم العربي جميعه وتكاتف حكومات وشعوب يدًا واحدة
إلى جانب مصر في حرب أكتوبر عام 1973م، سواء أثناء التجهيزات السرية للحرب أو خلال
الحرب نفسها أو حتى بعد انتهائها. لقد جاد الجميع بالمال والعتاد، والبعض جاد
بالنفس حين قاتل مع المصريين، والبعض جاد بدمه؛ حيث قامت حملات واسعة بكل البلدان
العربية للتبرع بالدم لصالح جرحى الحرب.. موقف عربي لم يحدث أن سمع عنه أحد قبل
الحرب إلا في محاولات هامشية ـ من وجهة نظري ـ بقيام الوحدة بين مصر وسوريا والتى
لم تدم لأكثر من ثلاث سنوات، ولم يتكرر هذا الموقف أيضًا بعد الحرب حتى وقتنا هذا.
ولعل من أهم الخطوات التي قام بها الاتحاد
العربي، وقتها، هو منع البترول عن أمريكا نهائيًّا - والتي كانت تعتمد على البترول
العربي - وذلك لوقوفها إلى الجانب الصهيوني ضد مصر، حتى أصبحت محطات الوقود
الأمريكية فارغة تمامًا من الوقود، وقاموا بوضع لافتات كتبوا عليها: "للأسف
لا يوجد بنزين".. صفعة عربية قوية لأمريكا، ودرس في منتهى القسوة حفر في
الذاكرة المصرية والعربية، لكنه مرّ كبقية الأحداث التي تمر بالعرب؛ لقد سطره
العرب في كتب التاريخ، وما زالوا يتغنون به كل عام في ذكرى انتصارات أكتوبر.. عفوا،
ربما نسيه العرب أيضا.
إلا
أن هذا الدرس لم يمرّ اعتباطا على الصهاينة أو على أمريكا أو على أي دولة
استعمارية طامعة.. لقد تعلموا جيدًا من هذا الدرس.. تعلموا أن في الإتحاد العربي
قوة جامحة من الممكن أن تطيح بأي كيان مهما كانت إمكانياته حتى لو كان قطبًا من
الأقطاب الأقوى بالعالم؛ فعملوا بكل ما أتوا من قوة على الحول دون هذا الإتحاد مرة
أخرى.. في البداية قاموا بالإنتقام لأنفسهم عن طريق تجنيد البعض لقتل البطل الذي
استطاع قهرهم.. لقد قتلوا السادات يوم عيده بأيد محلية.. ثم عملوا جاهدين على
تفكيك العرب، ومحاولة طمس الهوية العربية وتدمير الشباب العربي ثقافيًا وعلميًا
وأخلاقيًا وصحيًا؛ فأصبح الحديث بالعربية فقط أو حتى العامية شائبة جهل لصاحبه،
وأصبح "حشر" الكلمات الأجنبية في الحديث دلالة على الثقافة الواسعة
لأصحابه، حتى بين أوساط المثقفين، وما هذا إلا ضمن خطة واسعة النطاق لتضييع معالم
اللغة العربية. كذلك، فقد انتشرت المخدرات في كل مكان؛ لتدمير الشباب بوجه خاص، كما
انتشر العنف عن طريق المواد الإعلامية المصنعة خصيصًا للعرب.. وغيرها. ناهيك عن الإرهاب
عن طريق تربية أجيال تعاني الجهل، فيسهل غسل أدمغتها واستغلالها لتدمير أوطانها بأيديها.
وإن
كنت لأتعجب من كيفية مغافلتنا واقتحامنا بهذه الشراسة دون أدنى مقاومة منا، فلم
تتفكك الوحدة العربية فقط، بل إن بعض البلدان العربية فقدت وحدتها كدولة وتعرضت للانقسام،
فليست السودان بشمالها وجنوبها ببعيدة عن أنظارنا، وها هو اليمن والعراق وليبيا. لقد
عجزت تلك الشعوب العربية ـ صاحبة الحروب الأهلية التي تعاني الجوع والجهل وانتشار
الأوبئة ـ عن الحياة بدون سلاح استعماري استوردته بمليارات الدولارات من دول
استعمارية صنعته خصيصًا لها لتقاتل، بل وتدمّر به نفسها.
لذلك
أصبحت الدول الاستعمارية هي مصدر توريد السلاح الأول للدول العربية، وفي ذات الوقت
هي المستورد الأول للبترول "الخام" من نفس الدول.
وفي
نهاية الأمر إنه من المؤكد أن جميعنا نتمنى أن نتحد جميعًا، ونرتقي إلى موضع القوة
بدلًا من مواضع الضعف، ولكنني سأقتبس مقولة البطل "السادات" حيث قال: إن
التمني دون إرادة هو درب من دروب أحلام اليقظة..
وأضيف: إن الإرادة لن تكون دون
عمل جاد وجهد شاق من الجميع، ووعي تام بأن الكل أكبر من مجموع أجزاءه.. فليبدأ كل
منا بنفسه ويعمل جاهدًا دون كلل أو ملل لعل الأجيال القادمة تصبح أكثر منا ذكاءً وأوفر
حظًا، وتتعلم الدرس.
صفاء عبد السلام فرحات تكتب: للأسف لا يوجد بنزين
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
4:07 م
Rating:
رائع تمنياتي بالتوفيق الدائم ومقالات تشبع شغف القراء
ردحذف