اتحاد الفلاسفة العرب

مشروع حضاري فكري تنويري، يهدف إلى جمع فلاسفة ومتفلسفة العالم العربي من المحيط إلى الخليج؛ لأجل تحويل الخطاب الفلسفي إلى خطاب عقلنة مجتمعاتنا التي تأخرت قرونًا عن ركب الحضارة..

صفاء عبد السلام فرحات تكتب: برجاء تضييع الثقة


صفاء عبد السلام فرحات[*]

   إن الثقة المطلقة في خبرات الآخرين وثقافاتهم ومعارفهم وإمكانياتهم الخارقة للعادة تعد من الموروثات التي جبلت عليها المجتمعات ـــ وبخاصة المجتمعات العربية ــــ فنحن نستطيع أن نحكم على المستوى الاجتماعي أو الفكري أو الديني أو الثقافي أو غير ذلك للآخر بمجرد  النظر لمظهره الخارجي؛ فنجد مثلًا أن صاحب المظهر الأنيق والملابس ذات الماركات العالمية وصاحب السيارة الفارهة بالضرورة هو ذو مستوى اجتماعي أو فكري عالي الجودة، وبالتالي يستطيع أن  يتصرف ويستغل موقعه الوظيفي كما يشاء دون رقابة من المجتمع على ما يؤديه من واجبات استلزمها منه هذا الموقع  وفي غفلة منا ولا مبالاة بمحاسبته على تقصيره وتقاعصه عن أداء تلك الواجبات التي تعد فروضًا عليه نظرًا لتواجده في هذا الموقع، من وجهة نظرنا هو بالضرورة هو غير مقصر، بل هو من أكفأ العاملين والمجتهدين؛ إنه من أهل الثقة، وبالضرورة أيضًا من وجهة نظر المجتمعات بل أنه من البديهي جدًا أن صاحب الجلباب القصير والسبحة هو رجل دين من الدرجة الأولى، فبمجرد ظهوره بهذا المظهر وتردده على المسجد لأداء الفروض التي فرضها الله على المسلمين كافة، نطلق عليه لقب "شيخ"، وهذا الشيخ في نظرنا لا يفعل أي ذنب، فنرفض تمامًا إدراك أنه كالبشر العاديين، يذنب مثلهم، بل الأدهى أننا نراه رجل دين من الدرجة الأولى، بمعنى أنه عالم بكل أمور الدنيا والدين، لا محالة، وبالتالي نتهافت جميعًا على استفتائه وسؤاله في كل أمور ديننا ودنيانا، ونتعامل مع آرائه وإجاباته على تساؤلاتنا التي يغلب عيها الطابع الفقهي بكل ثقة دون الرجوع للمصادر الأصلية للفتوى، وسؤال من هم أهل التخصص، ومن الغريب أنه يتحدث في أمور الدين ويفتي الفتاوى ويجيب عن أسئلتنا الفقهية بكل ثقة وانتشاء.. ومن البديهي في مثل تلك المواقف أنه لا يعرف أبدا جملة "لا أعرف"؛ وذلك لمجرد إعطاءه الثقة من قبل الآخرين، وإلا ستتزعزع ثقة الآخرين فيه، ومن الغريب أن تلك الثقة ليست نابعة فقط من أصحاب العقول البسيطة، بل يمتد الأمر أيضًا لمختلف الطبقات الفكرية في المجتمع دون أدنى شك من أحدهم أنه من الممكن أن يكون مخدوعًا في مظهر ما أيًّا كان نوعه، مما يؤدي لضياع الفكر والدين والمال والحقوق الاجتماعية بكافة مستوياتها، فكم من حقوق ضاعت، وأموال سلبت، ودين ضاع... كل ذلك خلف ستار الثقة، خلف ستار مظهر خادع لا يعلم باطنه إلا الله.
   ولكن ماذا لو حاولنا تعديل الأمور والتخلص من حالة اللامبالاة، وعدم الإكتراث بالمظهر، والبعد عن أهل الثقة دون تحقق من كفاءتهم تجاه ما يسند إليهم من واجبات، واللجوء إلى من هو أكفأ وأنسب وأكثر خبرة وأدق تخصصًا، من يستطيع تقديم الأفضل، بل المراقبة الجادة ومحاسبة كل مقصر عن أداء واجباته!.. إن الأمر يتطلب في البداية صحوة مجتمعية توقظ ضمير من لا ضمير له، وتكشف خفايا باطنة وتعرية للثقة المطلقة المستترة تحت غطاء من الظواهر الخادعة! ماذا لو توقفنا عن الانخداع في المظهر.. بكل تأكيد لن يتمادى أصحاب المظاهر الخادعة في خداعهم لنا، بكل تأكيد سيكون لدينا من الوعي ما نستطيع به تصحيح كل اعوجاج وتدني تتعرض له المجتمعات، فلتضيع الثقة بدلًا من ضياع المجتمعات، فلتضيع الثقة في مقابل التمسك بالكفاءة، ولتذهب الثقة جفاءً في مقابل هوية مجتمعية واعية مدركة لمن يستحق الثقة ومن لا يستحق.


[*] ) باحثة من مصر
صفاء عبد السلام فرحات تكتب: برجاء تضييع الثقة صفاء عبد السلام فرحات تكتب: برجاء تضييع الثقة Reviewed by Union of Arab Philosophers on 11:03 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

عن مؤسس المدونة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المتابعون

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Translate

انضم إلي صفحتنا عبر الفيس بوك

https://www.facebook.com/%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-729058127473555/?modal=admin_todo_tour

اخر المواضيع

اعلان 728x90

يتم التشغيل بواسطة Blogger.