فلسفة العقيدة
أشرنا في الجزء الأول من المقالة إلى معنى
فلسفة العقيدة بصورة ضمنية من خلال سياق الحديث، ولعله لزم الأمر الآن أن نشير
للمقصود بها بتعريف مبسط للغاية من وجهة نظرنا، ألا وهو: الوعي بمقاصد أركان
الإيمان وكيفية تطبيق هذه المقاصد على أرض الواقع.
ويمكن القول أن هذا الأمر ليس باليسير فقط
بالنسبة للكثيرين ممن لا يعلمون شيئًا عن أركان الإيمان إلا عناوين فقط دون إدراك
المعاني، بل وأيضًا ليس باليسير في واقع المجتمعات؛ لأنه يعتمد في تطبيقه إلى
تكاتف كل المؤسسات المجتمعية للخروج بتطبيق فلسفة العقيدة بالصورة الصحيحة بين
أرجاء المجتمع، حيث تبدأ المهمة من اللبنة الأولى في تكوين البناء المجتمعي وهي
الأسرة. فمسئولية الأسرة التربوية والأخلاقية تشكل طريقة التفكير بصورة أولية
للفرد، وتحدد ميوله واستعداداته لكيفية الاندماج الفكري في المجتمع.
إن الفرد الناشئ في أسرة واعية بأهمية دورها
في التكوين الاجتماعي للفرد يستطيع هو أيضًا أن يكون له التأثير الفاعل في نشأة
مجتمع صالح متماسك قادر على مواجهة التحديات التي يتعرض لها المجتمع، كما أن هذا الدور
الأسري الهام لا ينتهي بمجرد خروج الفرد واحتكاكه بالمؤسسات المجتمعية الأخرى،
وإنما هو دور مستمر ومؤثر على المدى البعيد. ومن أهم المؤسسات التي تشارك الأسرة
في دورها المؤثرة في ترسيخ فلسفة العقيدة لدى الأفراد هي المؤسسات التعليمية بجميع
أركانها ومراحلها المختلفة، فقد كان للأسلوب التلقيني في طرق التدريس أثره الواضح
في إخراج أجيال لا تجيد حتى حفظ المعلومات دون فهم، وبمجرد انتهاء العام الدراسي
والخروج من الامتحان يصاب المتعلم بداء الزهايمر تجاه ما حفظ من معلومات من أجل
مهمة محددة وهي الإلقاء بها في ورقة الامتحان ليس إلا. وإن كانت هناك الكثير من
طرق واستراتيجيات التعلم النشط المختلفة التي تؤثر بصورة كبيرة على تنمية مهارات
التفكير العليا لدى الأفراد بداية من مرحلة رياض الأطفال وحتى مرحلة التعليم
الجامعي حبيسة أرفف مكتبات البحث العلمي دون تطبيق، فإننا نقترح تفعيل هذه الطرق
من أجل تصحيح المسار الفكري للمتعلمين في المراحل التعليمية المختلفة عن طريق
تطبيقها في المناهج التعليمية.
ليس هذا فقط، بل نقترح أيضًا تدريس فلسفة
العقيدة من خلال دمج أهدافها بالمناهج خاصة المحتوى التعليمي بكل المراحل
التعليمية، بما يتناسب مع المستوى العقلى للمتعلمين في كل مرحلة عن طريق علماء
التربية المتخصصين، وإن كان لعلماء التربية دورهم ذو الأهمية البالغة في العملية
التعليمية، فإن دور علماء الدين لا يقل عنه أهمية في توصيل الفكر العقائدي الصحيح،
وتفعيل دور فلسفة العقيدة في المجتمع من خلال المؤسسات الدينية عن طريق المؤلفات
التي تحتوى على صحيح العقيدة بالشرح الوافي والحوار البناء بين الأجيال، وعقد
الندوات الدينية والدروس والخطب والفتاوى، وبخاصة البرامج الدينية المقدمة من خلال
المؤسسات الإعلامية؛ حيث أنها محط اهتمام معظم فئات المجتمع بجميع مستوياتها الثقافية،
خاصة البسطاء منهم؛ لأنها تعتبر المصدر الأساسي بالنسبة لهم لاكتساب تعاليم الدين.
لذلك، وجب القول بتحري الدقة في تخصص من يبثون الفكر الديني عامة في هذه المؤسسات،
وأيضًا ما تقدمه هذه المؤسسات من مواد إعلامية بصورة شاملة خاصة في ظل وجود قنوات
خاصة درجة الرقابة عليها ضعيفة للغاية، وأيضًا خضوع المؤسسات الإعلامية لأهواء
أصحاب رؤوس الأموال.
وأخيرًا، نود
الإشارة إلى أن هذه المؤسسات التي ذكرناها ليست وحدها صاحبة التأثير في تأسيس
فلسفة العقيدة بصورة صحيحة بالمجتمع، بل أنها تعد من أهم المؤسسات الاجتماعية
المؤثرة، وتتكامل معها بقية مؤسسات المجتمع بطريقة منظومية لا نستطيع فصل أحد
أركانها عن الكل للخروج ليس فقط بفلسفة عقيدة صحيحة وإنما أيضًا لتصحيح كل
المسارات الفكرية التي تسود المجتمعات بصفة عامة.
صفاء عبد السلام فرحات تكتب: فلسفة العقيدة ج (2)
Reviewed by Union of Arab Philosophers
on
4:31 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: